رسائل غير آمنة.. أزمة هيجسيث وفضيحة تسريب الخطط العسكرية عبر تطبيق سيجنال

في تطور لافت يعكس عمق الأزمة داخل أروقة وزارة الدفاع الأميركية، وسّع المفتش العام في البنتاجون نطاق التحقيقات التي تطال وزير الدفاع بيت هيجسيث، على خلفية استخدامه تطبيق "سيجنال" لتبادل معلومات عسكرية حساسة، خارج القنوات الرسمية المعتمدة، بل ومشاركة هذه المعلومات مع أفراد من عائلته. هذه القضية، التي تفجّرت أولاً عبر مجلة *ذا أتلانتيك*، واتّسع مداها بعد تقرير *نيويورك تايمز*، تهدد مستقبل الوزير وتطرح تساؤلات جدية حول أمن المعلومات داخل وزارة الدفاع الأميركية.
تسريب في وقت حساس
القضية بدأت حين تم الكشف عن محادثة عبر تطبيق "سيجنال"، ضمت الوزير هيجسيث وكبار مسؤولي الإدارة، ناقشوا خلالها تفاصيل الضربات الجوية الأميركية في اليمن يوم 15 مارس. التفاصيل التي تم تداولها — منها توقيتات محددة لاستخدام طائرات F-18 وطائرات MQ-9 Reaper وصواريخ توماهوك — تُعد معلومات حساسة جداً، وتم نقلها خارج النظام الأمني المشفر المعتمد للبنتاجون، مما يُعد انتهاكاً محتملاً للوائح الأمن القومي.
والمثير للقلق أن المعلومات التي أرسلها الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، عبر نظام مشفر للغاية، ظهرت خلال دقائق في مجموعة على "سيجنال" شارك فيها هيجسيث. بحسب مصادر التحقيق، لم يكن من الممكن نقل هذه المعلومات تقنياً من النظام المصنف إلى تطبيق مفتوح إلا عبر إعادة كتابتها يدوياً، ما يعكس تورطاً بشرياً مباشراً.
التوسّع في التحقيقات
ما عمّق الأزمة أكثر هو ما كشفته نيويورك تايمز من وجود محادثة ثانية عبر "سيجنال"، شارك فيها الوزير أفراداً من عائلته، بمن فيهم زوجته وشقيقه، بالإضافة إلى مساعديه. هذا يعني أن المعلومات لم تُناقش فقط مع مسؤولين رسميين، بل خرجت عن إطار العمل الحكومي بالكامل. تم إنشاء هذه المجموعة الثانية قبل جلسة اعتماد الوزير في مجلس الشيوخ، واستمر استخدامها حتى بعد توليه المنصب، مما يعزز احتمالات التورط المتكرر، وليس مجرد "هفوة" عابرة.
ردود الفعل والانقسام السياسي
أعلن المفتش العام بالإنابة، ستيفن ستبينز، عن فتح تحقيق رسمي الشهر الماضي، يركّز على مدى التزام وزير الدفاع بسياسات استخدام التطبيقات التجارية في الأمور الرسمية. وفيما أبدى بعض النواب الجمهوريين دعمهم لهيجسيث، فضّل آخرون انتظار نتائج التحقيق. أما الوزير نفسه فقد أنكر تسريب أي معلومات مصنفة، واتهم خصومه السياسيين بتأجيج الجدل لأغراض انتقامية.
من جانبه، أعلن الرئيس دونالد ترمب عن تغيير في منصب مستشار الأمن القومي، مايك والتز، الذي تأثرت مكانته بسبب القضية ذاتها. ورُشح والتز لمنصب سفير واشنطن في الأمم المتحدة، بينما أسندت مهام مستشار الأمن القومي مؤقتاً إلى وزير الخارجية ماركو روبيو.
أزمة ثقة وأمن قومي
الأزمة تضع وزارة الدفاع الأميركية أمام اختبار صعب على عدة مستويات:
المستوى الأمني: الخرق الواضح في التعامل مع معلومات مصنفة يشكّل تهديداً للعمليات العسكرية الأميركية، خاصة في مناطق نزاع مثل اليمن.
المستوى المؤسسي: تجاهل البروتوكولات الرسمية يطرح تساؤلات حول ثقافة الانضباط داخل البنتاجون، وقد يدفع لمراجعة واسعة للسياسات الرقمية.
المستوى السياسي: تأتي القضية في سياق حساس، حيث يُنظر إلى أي خلل في إدارة الأمن القومي على أنه فشل سياسي يمكن استثماره انتخابياً.
ما وراء التطبيق.. أزمة حوكمة
ما يجري يتجاوز مسألة استخدام "تطبيق مراسلة". نحن أمام أزمة تتعلق بثقافة الحوكمة، والانضباط المؤسسي، واحترام آليات العمل الرسمي داخل أكبر مؤسسة عسكرية في العالم. ومع استمرار التحقيقات، يبقى مصير هيجسيث معلقاً بين نتائج التحقيق وضغوط السياسة، فيما تتابع المؤسسات الرقابية والإعلامية المشهد عن كثب، بحثاً عن الحقيقة ومسؤولية القرار.