الجزائر.. هل يعني قرار التعبئة العامة إعلان حرب؟

تواجه جمهورية الجزائر، تحديات سياسية ودبلوماسية على حدودها من جميع الجهات، أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع فرنسا شمالاً، وتوتر سياسي مع مالي في الجنوب، وعلاقات مقطوعة مع الرباط على حدودها الغربية، وتهديدات أمنية على الحدود مع ليبيا في الجنوب الشرقي.
وأثار إقرار مجلس الوزراء الجزائري لمشروع قانون يتعلق بالتعبئة العامة، الكثير من الجدل والتساؤلات في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. فالجزائر قوة إقليمية كبرى، والمنطقة تشهد توتراً سياسياً وأمنياً غير مسبوق.
وليس غريباً أن يشعر الناس بالقلق والخوف عندما يسمعون عن التعبئة العامة. فهو مصطلح سياسي عسكري مرتبط بالأزمات والكوارث والحروب. ويعني فيما يعنيه استعداد الدولة والمجتمع لمواجهة الخطر الداهم، وربما الحرب.
هل الجزائر مقبلة على حرب؟
أقر مجلس الوزراء يوم 20 أبريل الماضي مشروع القانون. وستحيله الحكومة إلى البرلمان بغرفتيه، للمناقشة والتصديق عليه، قبل أن يصبح قانوناً. وينص الدستور الجزائري في مادته 99 على إجراء التعبئة العامة، وشروط إعلانها.
ويتولى رئيس الجمهورية، بحكم الدستور، مسؤولية إعلان التعبئة العامة، بعد "الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، واستشارة رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني". فالمشروع ليس قانوناً جديداً، وإنما هو تشريع تنظيمي جاء لتفصيل الإجراءات التنفيذية.
ولم تعلن الجزائر التعبئة العامة، مثلما ورد في بعض المواقع الإخبارية، وانتشر بعدها على مواقع التواصل الاجتماعي. كل ما في الأمر أن القانون، بعد التصديق عليه في البرلمان، سيحدد الإطار التنفيذي للإجراء، المنصوص عليه أصلاً في الدستور.
والواقع أن مشروع القانون كان مبرمجاً على جدول أعمال مجلس الوزراء، منذ العام الماضي. ولكن هذا لا ينفي أن تكون التطورات السياسية والأمنية في المنطقة، هي التي ربما دفعت بالحكومة إلى التعجيل بعرضه على المجلس وإقراره.
ماذا تعني التعبئة العامة في الجزائر؟
التعبئة العامة هي قرار سياسي تتخذه الدولة بحشد جميع القوات المسلحة، التي تتوفر عليها، من أجل الانخراط في عمل عسكري أو لمواجهة كارثة كبرى، تتعرض لها البلاد. ويشمل الإجراء الجنود العاملين في الجيش وأجهزة الأمن الأخرى، كما يستدعى بموجبه جنود الاحتياط أيضاً.
وسبق أن استعدت السلطات الجزائرية دفعات من جنود الاحتياط أثناء حربها على الجماعات الإسلامية المتطرفة في التسعينيات من القرن الماضي. وأعلنت التعبئة العامة، أول مرة، في حرب الرمال مع المغرب عام 1963، وهي مواجهة عسكرية، وقعت بسبب نزاع حدودي بين البلدين.
ولا تخص التعبئة العامة أفراد الجيش والأجهزة الأمنية في البلاد وحدهم، بل تشمل جميع شرائح المجتمع، في كل القطاعات والهيئات الاجتماعية والاقتصادية. وتوجه كل أجهزة الدولة ومصالحها إلى هدف واحد هو الاستعداد للتعامل مع الخطر الذي يهدد البلاد.
وفي هذه الحالة الاستثنائية، تعتمد الحكومة اقتصاد الحرب، الذي يقتضي التكيف مع الظروف الخاصة، التي تمر بها البلاد. فتسخر جميع الموارد الاستراتيجية مثل الطاقة والتكنولوجيا والمواصلات والصناعة، للمجهود العسكري.
وهنا نذكر ان التعبئة العامة ليست إعلان حرب، ولا هي في حد ذاتها عمل عدائي ضد طرف بعينه. ولكنها استعداد صريح لمواجهة خطر داهم أو محتمل يهدد البلاد. وقد يكون هذا الخطر من قوة معادية قريبة أو بعيدة، أو من جماعات مسلحة أو عصابات، داخل الحدود أو خارجها.
ويحقّق إعلان التعبئة العامة عدة أهداف، منها ما هو سياسي نفسي، ومنها ما هو استرتيجي عسكري. فالدولة تسعى، في مثل هذه الظروف الاستثنائية، إلى التأكيد على الوحدة الوطنية، وعلى التفاف جميع القوى السياسية والاجتماعية في البلاد حولها.
وهي بذلك تهيئ المجتمع نفسياً للتعامل من التطورات السياسية والأمنية الخطيرة، بهدوء وثقة وبأقل قدر من القلق والاضطراب. وتطمئن الناس في الداخل بأن الدولة تمسك بزمام الأمور كلها، وبأنها قادرة على حمايتهم من أي خطر، داخلي أو خارجي، يهددهم.
ويرسل إعلان التعبئة العامة، في الوقت نفسه، إشارة إلى القوى الخارجية، مفادها بأن البلاد مستعدة وجاهزة للتحرك عسكريا، إذا تطلب الأمر. وبأنها ستدافع عن سيادتها ومصالحها الاستراتيجية. فهو عمل ردعي أساسا، ولكنه يفتح الباب واسعا أمام المواجهة العسكرية.