الخارجية الروسية: زيلينسكي ضحى ببلاده لإرضاء أوروبا

فتحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، النار على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، واتهمته بأنه السبب وراء تدمير بلاده، ما يعد تصعيدًا جديدًا في الخطاب الروسي ضد كييف، وذلك عقب رفض زيلينسكي الاعتراف بسيادة روسيا على القرم ودونباس، وهو موقف يعكس استمرار الخلاف الجذري بين الطرفين حول الوضع الجيوسياسي في المنطقة.
السخرية كأداة سياسية
اختارت زاخاروفا أسلوب السخرية في ردها، حيث وصفت زيلينسكي بأنه "مدمن وضع بلاده تحت السيطرة الكاملة للقوى الخارجية"، في إشارة واضحة إلى النفوذ الغربي، خصوصًا الأمريكي، في توجيه سياسات أوكرانيا. ويهدف هذا الخطاب إلى تقديم زيلينسكي كزعيم فاقد للسيادة السياسية، خاضع لإملاءات خارجية، وهو ما يتماشى مع الرواية الروسية المستمرة حول "التحكم الغربي" في أوكرانيا.
واتهمته بتشويه الدستور الأوكراني، وهو تصريح يحمل أبعادًا سياسية تتجاوز الانتقاد المباشر، حيث يشير إلى أن التعديلات الدستورية والتوجهات السياسية التي تبنتها أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة تتعارض مع مبادئ السيادة القانونية، وفقًا للرؤية الروسية. وهذا يعزز موقف موسكو بأنها ترى النظام الأوكراني الحالي غير شرعي أو فاقدًا للاستقلالية في قراراته.
تأتي تصريحات زاخاروفا في ظل مباحثات عقدتها أوكرانيا مع الولايات المتحدة في مدينة جدة، والتي أسفرت عن موافقة كييف على توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا مع روسيا، إلى جانب استعدادها لتوقيع اتفاقية تتعلق بالمعادن. ويشير هذا التطور إلى وجود ضغوط دولية على الطرفين للوصول إلى تهدئة مؤقتة، سواء لأسباب إنسانية أو اقتصادية.
في المقابل، أعربت واشنطن عن انتظارها لموافقة روسيا على الاتفاق، ملوحة بفرض عقوبات إضافية في حال رفضت موسكو التوقيع. وهذا التصريح يعكس استمرار الاستراتيجية الأمريكية في استخدام العقوبات كأداة ضغط دبلوماسي واقتصادي ضد روسيا، في محاولة لتقييد قدرتها على المناورة السياسية والعسكرية.
التصعيد مستمر
في ظل التصعيد المستمر بين روسيا والدول الغربية، أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، الخميس، عن إحباط هجمات إرهابية استهدفت مسؤولين عسكريين وحكوميين عبر طرود بريدية، ما يعكس تصاعد التهديدات الأمنية داخل البلاد.
حرب الظل بين موسكو والناتو
في تطور آخر، كشف يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، عن معلومات تفيد بنيّة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) تكثيف استهداف البنية التحتية الروسية، بما في ذلك أنابيب النفط تحت الماء وناقلات النفط والسفن.
وأشار أوشاكوف إلى أن الناتو يستخدم الهجمات الإلكترونية لتعطيل معدات الملاحة الروسية، مما يؤدي إلى حوادث بحرية متزايدة. كما حذّر من أن دولًا أوروبية أعضاء في الحلف قد ترفع من مستوى التهديدات التي تواجهها الموانئ الروسية، خصوصًا في بحر البلطيق، حيث تتزايد عمليات الحصار الغربية على موسكو.
وأضاف أن روسيا لن تقبل أي مساس بمصالحها الوطنية في المنطقة، مشيرًا إلى أن عسكرة أوروبا، التي أُقرت خلال قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، ستؤدي إلى تصعيد عسكري إضافي. كما ألقى باللوم على بريطانيا في تعطيل المفاوضات بشأن أوكرانيا، معتبراً أن لندن تسعى إلى عرقلة أي تقارب روسي-أمريكي.
وفي إشارة تاريخية، شبّه أوشاكوف الدور المتصاعد لفنلندا ضمن استراتيجية الناتو الحالية بدورها في الحرب الفنلندية-السوفيتية عام 1939، ملمحًا إلى احتمال استخدامها كنقطة انطلاق لعمليات عدائية ضد روسيا.
تعكس هذه التطورات استمرار التوتر بين روسيا وأوكرانيا، رغم المساعي الدبلوماسية لتحقيق تهدئة مؤقتة. في الوقت نفسه، يعكس الخطاب الروسي الحاد، ممثلًا بتصريحات زاخاروفا، استراتيجية إعلامية تهدف إلى التشكيك في شرعية القيادة الأوكرانية وتصويرها كأداة غربية. ومع تزايد الضغوط الدولية، يبقى مدى استعداد موسكو لتقديم تنازلات في إطار اتفاقات السلام أو التهدئة محل تساؤل، خاصة في ظل استمرار التصعيد السياسي والاقتصادي بين روسيا والغرب.