اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

الإفتاء تكشف حكم الاقتراض لأداء فريضة الحج

الحج
الحج

يبحث الكثير من المسلمين عن أحكام الحج، خاصة مع اقتراب موسم الحج، وفي هذا الإطار، ورد سؤال لدار الإفتاء يقول فيه صاحبه "قد حججت بيت الله تعالى وأخذت في طريقي لذلك من أخي خمسمائة ريال سعودي، ولم أردها حتى الآن، ولم أذهب إلى المدينة المشرفة على ساكنها الصلاة والسلام، وقد توفي أخي، فهل حجي صحيحٌ؟ وكيف أردُّ دَيْن أخي؟

وأجاب الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال قائلا:" إنه يجوز الاستدانة أو الحصول على سلفة لأداء فريضة الحج؛ بشرط أن يكون الفرد قادرًا على ردها دون أن يخل ذلك بالتزاماته تجاه أسرته التي يعولها".

وأوضح أن الاستطاعةُ شرطُ وجوبٍ في الحجِّ، لا شرطٌ في صِحَّته؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ﴾ [آل عمران: ٩٧]، وما كان شرطًا للوجوب لا يَلْزَم المكلَّفَ تحصيلُه لكونه مِنْ خطاب الوضع، إذ «مَا لَا يَتِمُّ الوُجُوبُ إِلَّا بِهِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ»، ومِنْ جهةٍ أخرى فإنَّ المتقرِّر في القواعد العامَّة أنَّ «كُلَّ عِبَادَةٍ اعْتُبِرَ فِيهَا المَالُ فَإِنَّ المُعْتَبَرَ مِلْكُهُ لَا القُدْرَةُ عَلَى مِلْكِهِ»، وإذا كان غير قادر على الحجُّ فليس واجبًا فإنَّ الشَّرعَ لا يُلزِمُهُ بالاقتراض له،فيما وَرَد مِنْ حديثِ ابنِ أبي أَوْفَى رضي الله عنه أنه لمَّا سُئِلَ عن الرَّجل يستقرض ويحُجُّ قال: «يَسْتَرْزِقُ اللهَ وَلَا يَسْتَقْرِضُ»، قال: «وَكُنَّا نَقُولُ: لَا يَسْتَقْرِضُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَفَاءٌ».

وتابع، وعليه، فإِنْ كان المكلَّفُ غيرَ واثقٍ مِنْ قدرته على الوفاء بما استدانه فلا يجوز له أَنْ يتكلَّف أمرًا يسَّره اللهُ رأفةً بالنَّاس ولم يُوجِبْه، ولا يترتَّب عليه إثمٌ إِنْ مات ولم يحجَّ، ولا يوجد لوم عليه؛ بخلاف ما إذا كانَتْ ذمَّتُهُ مشغولةً بالدَّين الذي اقترضه وجاءه الموتُ، فيبقى مُطالَبًا به لأنه حقُّ العباد؛ ولا يخفى أنَّ حقَّ الله تعالى مبنيٌّ على المسامحة، وحقَّ العبد مبنيٌّ على المُشاحَّة والمضايقة؛ لأنه يَنْتَفِعُ بحصوله ويَتَضَرَّرُ بِفواته دون البَارِي تعالى، فلا يَتَضَرَّرُ بفوات حقوقه ولا يَنْتَفِعُ بِحصولها، غيرَ أنه إِذا استقرضَ وَحَجَّ ـ وهو على هذه الحال ـ فحجُّه صحيحٌ، وتَبْرَأ ذِمَّتُه منه، وتبقى مشغولةً بقضاء دَيْنه.

وأضاف، أمَّا إذا كان واثقًا بقدرته على الوفاء بدَيْنه فيَلزَمُه الحجُّ مع توثيق القرض برهنٍ أو شخص يكفله، أو وصيَّةٍ بتسديد المبلغ المُقترَضِ في حالةِ ما إذا حَصَل له مكروهٌ يمنعه مِنَ الوفاء به.

واستشهد أمين الفتوى، بقول الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في "المجموع شرح المهذب"، أنه "لا يجب عليه استقراض مالٍ يحج به، بلا خلاف"، لكن لا مانع مِن أن يقترض ويحج إذا اطمأن إلى أنه سيرد القرضَ دون تأثيرٍ ضار على من تجب عليه نفقتُه.

وأشار إلى أنه ورد عن بعض السلف النهي عن الاقتراض للحج، فروى الإمام الشافعي، وابن أبي شيبة في "المصنَّف"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه موقوفًا عليه، أنه سُئِلَ عن الرجل يَستقرض ويحج؟ قال: "يَسْتَرْزِقُ اللهَ وَلَا يَسْتَقْرِضُ"، قال: وكنا نقول: "لا يَستَقرِضُ إلا أَن يَكُونَ له وَفاءٌ".

وأسند ابن عبدالبر في "التمهيد"، عن سفيان الثوري أنه قال: "لا بأس أن يحج الرجل بدَينٍ إذا كان له عُرُوضٌ إن مات ترك وفاءً، وإن لم يكن للرجل شيءٌ ولم يحج فلا يعجبني أن يستقرض ويسأل الناس فيحج به، فإن فعل أو آجر نفسه أجزأه مِن حجة الإسلام".