اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

مسجد جنغاريبير.. تراث اليونسكو في تمبكتو المالية

مسجد جنغاريبير
مسجد جنغاريبير

مسجد جنغاريبير هو أحد أقدم مساجد مدينة تمبكتو في مالي، ويُعدّ من أهم معالمها التاريخية والثقافية. تمّ بناؤه في القرن الرابع عشر الميلاديّ، ويُنسب إنشاؤه إلى السلطان الماليّ "مُوسى".

يتميز مسجد جنغاريبير بِهندسته المعمارية المُميّزة، حيثُ يتكون من صحن واسع مُحاط بأربعة أروقة، ولهُ مئذنة مُضلّعة مُزخرفة. كما يشتهر المسجد بِمكتبة غنية بالكتب والمخطوطات النادرة، ممّا جعلهُ مركزًا علميًا وثقافيًا هامًا لِعدّة قرون.

في عام 1988، تمّ إدراج مسجد جنغاريبير على قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو، وذلك لأهميته التاريخية والثقافية.

يُعدّ مسجد جنغاريبير من أقدم المساجد في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتمّ بناء المسجد من الطوب اللبن، وهو نوع من الطوب المصنوع من الطين والقش، وتعرّض المسجد لِعدّة عمليات ترميم على مرّ التاريخ، كان آخرها في عام 2006، ويُعدّ مسجد جنغاريبير وجهة سياحية شهيرة، ويُزورهُ سنويًا آلاف السيّاح من جميع أنحاء العالم.

وتعتلي المسجد مئذنتان، ويحتوي فناء واسعا غير مسقوف، ومساحة مسقوفة تقوم على خمسة وعشرين صفا من السواري الطينية الضخمة، أما سقف المسجد فقد تخللته عشرات من الفتحات الصغيرة لإنارة المسجد نهارا وتهويته، ويمكن إغلاق هذه الفتحات عند هطول المطر، وقد كان الجو داخله المسجد باردا لطيفا رغم أن الحرارة خارجه كانت حارقة. ويسع داخل المسجد لألفي مصل، ويمكن أن يصلي 12 ألفا في باحته.

ولم يكن مسجد دجينغاربير مجرد مسجد للصلاة، وعن ذلك يقول الشيخ محامادو كان مسجد دجينغاربير الكلية الرئيسية من ثلاث كليات شكلت معا جامعة تمبكوتو، إلى جانب مسجد سانكوري وسيدي يحيى. وكانت هذه الجامعة تسع 25 ألف طالب، و180 فصلا دراسيا، وقد امتلأت بالأساتذة الذين كان مانسا موسى يدفع لهم رواتب، وكان منهم الفقهاء والشعراء والأطباء والقضاة والمترجمون والإداريون والمهندسون واللغويون والفلكيون والرياضيون وغيرهم، وقد بلغت أخبار ثراء وسخاء مانسا موسى أطراف الدنيا، فانجذب إليه علماء المسلمين من الأندلس والمغرب ومصر وجزيرة العرب.

أما مكتبة هذه الجامعة، فقد كانت واحدة من أضخم المكتبات في العالم وأكبر مكتبة في أفريقيا، إذ حوت قرابة مليون كتاب. ورغم أن تمبكتو لم تكن العاصمة، فقد جعل منها مسجد دجينغاربير وإخوته مركزا حضاريا إسلاميا عظيما، في وقت كان فيه العالم الإسلامي ممتدا من الأندلس إلى الهند، ويذهب المؤرخون إلى أن أكبر موجة انتشار للإسلام في غرب أفريقيا، حصلت في عهد مانسا موسى، وكان لتمبكتو وجامعتها ومساجدها الدور الرئيس فيها.

أما أبواب المسجد ونوافذه الخشبية فإنها تحف حقيقية، إذ تحفها زخارف الأرابيسك الملونة، وأشكال معدنية جميلة. لكن الشيخ محمادو أخبرني أنها لم تكن هكذا في أول عهدها، بل كانت إطاراتها العلوية مطلية بالنحاس، والسفلية مطلية بالذهب.

وقد سجل مسجد دجينغاربير رفقة أخويه ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي سنة 1988، وبعدها بسنتين أعلن أنه من المعالم المهددة بالخطر بسبب زحف الرمال، وبعدها بست سنوات خصصت له الأمم المتحدة ميزانية سنوية لترميمه من خلال المؤسسات الحكومية المالية، لكن بعد عشر سنوات، وجد أن تلك الميزانية لم تصرف كما ينبغي، فأسندت مهمة ترميمه لصندوق آغا خان الثقافي سنة 2006.

لكن المسجد لم يكن طوال سبعة قرون ينتظر المنظمات الدولية لترميمه، لأن سكان المدينة درجوا منذ قرون على الاجتماع مرة كل سنة، بعد انتهاء موسم الأمطار، والعمل على ترميمه طوال أسبوع كامل تطوعا. وبعدما دشن مشروع ترميم المسجد من طرف اليونيسكو استمر الناس على سنتهم السنوية، مبتغين بذلك الأجر، ومحيين ذكرى أسلافهم المهندسين والحرفيين والبنائين الذين جاؤوا من اليمن ومصر والمغرب وشيدوا معا المسجد قبل سبعة قرون.

وقد التفت مودعا تمبكتو ونحن نغادرها، فإذا بمئذنة المسجد الهرمية ترى من بعيد شامخة تحرس المدينة، وخاشعة كأنها تراقب مرور الزمن وتقلب القرون وتسبح باسم مبدل الأحوال.