مصر تُصعّد دبلوماسيًا لإنهاء الحرب في غزة.. هدنة محتملة ومؤتمر إعمار بانتظار الاستقرار

في سياق استمرار التصعيد العسكري في قطاع غزة، تكثف القاهرة جهودها السياسية والدبلوماسية سعياً للتوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام، يعيد فتح المسار السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، اتصالاً هاتفياً بالمبعوث الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الاثنين، عبّر خلاله عن موقف مصري ثابت يرتكز على ثلاث أولويات: إنهاء العمليات العسكرية، الإفراج المتبادل عن الأسرى والرهائن، والانطلاق نحو حلّ سياسي يعالج جذور الأزمة.
هدنة مشروطة ومسار دبلوماسي هش
أبرز ما حمله الاتصال تمثل في تأكيد عبد العاطي على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام، لا مجرد تهدئة مؤقتة قابلة للانهيار، مؤكداً أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة هي الضمانة الحقيقية لعدم تكرار التصعيد. هذا الطرح يعكس إدراك القاهرة أن أي مسار للتهدئة يجب أن يكون جزءًا من تصور سياسي أوسع، لا يكتفي بإخماد النيران مؤقتاً بل يعالج مسبباتها العميقة.
وفي السياق ذاته، تحدث عبد العاطي عن هدنة مرتقبة لمدة 60 يوماً تعمل مصر على بلورتها، لكن تل أبيب – بحسب ما ذكره – لا تبدي حتى الآن تجاوبًا كافيًا في المفاوضات، ما يُضعف فرص نجاح أي اتفاق ما لم يصحبه ضغط دولي فاعل، خصوصاً من واشنطن.
مصر والولايات المتحدة: تقاطع مصالح مشروط
اللافت أن عبد العاطي حرص على إبراز التفاهم بين القاهرة وواشنطن، مشيرًا إلى تفهم أميركي لحاجة أي اتفاق لضمانات واضحة تضمن استدامته، ومشيدًا بدور الإدارة الأميركية الجديدة – وتحديداً رؤية الرئيس دونالد ترامب – في تحريك الملف قبل حتى توليها الرسمي. هذا التصريح يهدف إلى تعزيز الدعم الأميركي للمبادرة المصرية، لكنه يعكس أيضًا قلقًا من أن أي اتفاق غير مضمون التنفيذ قد يفشل سريعًا.
كما أشار الوزير المصري إلى أن واشنطن أظهرت مؤخرًا تغيراً في تعاطيها مع مسألة تهجير سكان غزة، وهي نقطة خلافية أثارت في السابق انتقادات واسعة، ما يفتح باب الأمل لتعديل بعض المواقف الأميركية التي كانت تُعدّ غير متوازنة تجاه القضية الفلسطينية.
مساعدات إنسانية ومؤتمر إعادة الإعمار
لم تغفل القاهرة الجانب الإنساني، إذ شدد عبد العاطي على ضرورة ضمان نفاذ المساعدات الطبية والإغاثية العاجلة إلى القطاع، في ظل الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية الصحية والمعيشية. وتوازياً مع ذلك، أعلن عن تطلع مصر لاستضافة مؤتمر دولي لإعادة الإعمار فور تثبيت وقف إطلاق النار، بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية.
لكن عبد العاطي ربط بين الإعمار ووضوح الرؤية الأمنية، قائلًا إن "أحدًا لن يضخ أموالاً لإعادة الإعمار دون معرفة مستقبل الأمن في القطاع"، في إشارة إلى المخاوف من عودة التصعيد، ما لم تكن هناك ترتيبات سياسية وأمنية واضحة.
رسائل لإسرائيل وإيران
وفي تطور لافت، أشار عبد العاطي إلى أن استئناف إسرائيل لأي هجوم بعد الاتفاق سيكون بمثابة نسفٍ للجهود السياسية الجارية، ومصدرًا كبيرًا لعدم الاستقرار. كما دعا إلى ضرورة التزام كل من إسرائيل وإيران بوقف إطلاق النار، بما يعكس محاولة مصرية للربط بين ملف غزة والملف النووي الإيراني – وهو مؤشر على تشابك الأزمات الإقليمية واتساع هوامش التوتر.
كما جدد دعم مصر لاستئناف مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، مؤكداً أن ذلك يشكل جزءًا من رؤية متكاملة للأمن الإقليمي، وهو موقف ينسجم مع الرؤية الأوروبية لكنه يحمل رسائل تطمين أيضًا لحلفاء مصر الخليجيين.