حرب إيران وإسرائيل.. ”اللغز الثقيل”: أين اختفى اليورانيوم المخصب؟

على خلفية التصعيد غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، بات مصير برنامج طهران النووي مبهماً بشكل يثير قلق المجتمع الدولي، لاسيما بعد الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة وإسرائيل على منشآت نووية حساسة. ورغم تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ"محو" مواقع مثل فوردو ونطنز وأصفهان، فإن الغموض يلف ما إذا كانت الغارات قد قضت فعلاً على البنية النووية الإيرانية، أم أنها وفرت غطاءً إستراتيجياً لطهران لإخفاء مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب.
اليورانيوم المفقود: الخطر الحقيقي
المعضلة الرئيسية لا تتعلق فقط بتدمير المنشآت، بل بغياب الأدلة الحاسمة حول مصير قرابة 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب إلى درجة 60%، وهي نسبة قريبة من عتبة التسليح النووي. هذه الكمية وحدها، وفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تكفي لتصنيع ما يصل إلى تسع قنابل نووية، إذا ما جرى تخصيبها بنسبة أكبر.
لكن وسط أنقاض فوردو - المنشأة المحصنة داخل جبل والتي تمثل قلب برنامج التخصيب الإيراني - لا أحد يعلم على وجه اليقين: هل دُفنت هذه المواد تحت الردم؟ أم نُقلت قبل القصف إلى مواقع غير معلنة؟
المفتشون في مواجهة الأطلال
رغم عضوية إيران في معاهدة حظر الانتشار النووي، والتي تلزمها بالإفصاح الكامل عن أنشطتها ومخزونها، فإن الضربات الجوية الأخيرة حدّت بشكل كبير من قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ممارسة دورها الرقابي. فالأنقاض الكثيفة والذخائر غير المنفجرة والمناخ السياسي العدائي، كلها جعلت عمليات التفتيش أشبه بما وصفه خبراء بـ"مطاردة أشباح"، على غرار ما حدث في العراق قبل غزو 2003.
ويعترف مدير الوكالة، رافائيل جروسي، بصعوبة المرحلة الحالية، مشيراً إلى أن المنشآت باتت غير صالحة للتفتيش الآمن، مما يجعل من مهمة حصر اليورانيوم المستهدف "مجهدة ومعقدة وتفتقر إلى الحد الأدنى من الضمانات".
هل علمت إيران مسبقاً؟
ما يدعم فرضية "النقل المسبق" هو رصد صور أقمار صناعية تُظهر شاحنات تتحرك قرب منشأة فوردو قبيل الضربات بأيام، ما يثير شكوكاً حول استعداد إيراني مبكر لإخلاء المواد الحساسة. ويؤكد دبلوماسيون غربيون أن طهران ربما استغلت تحذيرات غير مباشرة أو قراءات استخباراتية استباقية للتحرك قبل الهجمات.
لكن ترمب، في تصريحات لاحقة، نفى إمكانية قيام إيران بمثل هذه الخطوة، مشيراً إلى أن العملية معقدة جداً و"ثقيلة للغاية" لتنفيذها في سرية مطلقة، وهو ما لا يلقى قبولاً واسعاً لدى بعض المحللين الذين يرون أن الحسم في هذه القضية لا يزال بعيد المنال.
أزمة ثقة متفاقمة بين طهران والوكالة
البرلمان الإيراني صادق على قرار بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مدفوعاً بغضب من ما وصفه بـ"عجز النظام الدولي عن حماية المنشآت الإيرانية". وتتهم طهران مجلس محافظي الوكالة بتوفير غطاء سياسي للهجمات عبر قراراته التصعيدية.
في المقابل، تصر الوكالة على أنها لا تزال لا تملك "مؤشرات موثوقة على وجود برنامج أسلحة نووية منسق في إيران"، لكنها تعجز في الوقت نفسه عن ضمان سلمية البرنامج، بسبب نقص المعلومات والقيود المفروضة على مهامها.
القنبلة الدبلوماسية القادمة؟
من شأن استمرار الغموض حول مصير اليورانيوم أن يؤجج خلافاً دولياً بشأن استئناف المفاوضات النووية أو اتخاذ خطوات عقابية جديدة ضد طهران. إذ ترى دول الغرب أن إخفاء هذه المواد، إن ثبت، يعني نهاية نهائية لاتفاق 2015 النووي، وربما يفتح الباب لتدويل الملف في مجلس الأمن مجدداً.
وبينما تؤكد إيران تمسكها بسلمية برنامجها، تُظهر شواهد الواقع أن القصة قد تكون أعقد من مجرد تصريحات رسمية. وإذا ما أثبتت التحقيقات لاحقاً وجود "مخزون مخفي"، فإن المشهد سيكون أمام لحظة انفجار سياسي وأمني جديدة في الشرق الأوسط.