تحت القصف والحصار.. مقررة أممية: لا وجود للحق في الصحة بقطاع غزة

في شهادة بالغة الدلالة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، رسمت المقررة الخاصة المعنية بالحق في الصحة، تلالنغ موفوانغ، صورة قاتمة للوضع الإنساني والصحي في قطاع غزة، مؤكدة أن الحديث عن "حق بالصحة" بات شبه مستحيل في ظل ما وصفته بـ"الإبادة الجماعية" التي تمارسها إسرائيل منذ بدء الهجمات على القطاع في 7 أكتوبر 2023.
أشارت موفوانغ، خلال الدورة التاسعة والخمسين المنعقدة في جنيف، إلى أن البنية التحتية الصحية في غزة تتعرض لانهيار ممنهج، حيث تستهدف القوات الإسرائيلية المرافق الصحية والعاملين في القطاع الطبي بشكل متكرر ومتعمد. هذا الاستهداف لا يقتصر على المباني، بل يمتد إلى العناصر الأساسية للصحة العامة، كالمياه النظيفة، والكهرباء، والمستلزمات الطبية والغذائية، التي أصبحت تُستخدم ـ على حد تعبيرها ـ كـ"وسيلة استهداف جديدة ضد المدنيين".
وذكّرت المقررة الأممية أن هذه الانتهاكات لا تُرتكب في فراغ قانوني أو أخلاقي، بل في مواجهة مباشرة مع مجموعة واضحة من المعايير الدولية، التي تضمن الحق في الحياة والرعاية الصحية والحماية في أوقات النزاعات. ورغم ذلك، لم تُفعّل الأدوات القانونية والحقوقية الكفيلة بردع الاحتلال ووقف الانتهاكات.
الجانب الأكثر مأساوية، بحسب موفوانغ، يتمثل في تحويل المساعدات الإنسانية إلى فخاخ مميتة، إذ يُستدرج المدنيون عبر فتح معابر مؤقتة أو إلقاء المساعدات من الجو، ثم يتم استهدافهم أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء. وهذا يضع الاحتلال في خانة الاستغلال المتعمد لحاجة الناس كأسلوب من أساليب الحرب، وهو ما يشكل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
منع وصول منظمات الأمم المتحدة
كما انتقدت بشدة منع وصول منظمات الأمم المتحدة والمساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، مؤكدة أن المنع الممنهج للمساعدات يعتبر أداة إضافية لتوسيع المعاناة، مشيرة إلى أن ما يجري هو "عنف إمبريالي استعماري ممنهج" يستهدف شعبًا أعزلًا غير قادر على الدفاع عن نفسه.
وفي قراءة سياسية لما ورد في مداخلتها، فإن تصريحات موفوانغ تعيد فتح ملف عجز المجتمع الدولي والأمم المتحدة عن استخدام أدوات المساءلة القانونية رغم وضوح الانتهاكات. إذ تتوفر، كما قالت، آليات قانونية متعددة تشمل ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقيات جنيف، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، إلا أن هذه الأدوات لا تجد طريقها للتفعيل في ظل التوازنات السياسية والشلل المؤسساتي.
ما تطرحه المقررة الأممية ليس مجرد توصيف للوضع، بل اتهام مباشر وصريح للاحتلال بانتهاك مبادئ القانون الدولي بشكل ممنهج، مع تحميل المجتمع الدولي مسؤولية الصمت والعجز، إن لم يكن التواطؤ.
ما يجري في غزة، وفق تحليل موفوانغ، تجاوز نطاق الحرب التقليدية أو الردع المتبادل، ليصل إلى مستوى الإبادة المنظمة والتفكيك الممنهج للحق في البقاء. إنه فصل جديد من فصول معاناة إنسانية تُرتكب أمام أعين العالم، بينما تُعطّل الأدوات القانونية والإنسانية التي وُجدت أصلاً لمنع مثل هذه الكوارث.