جنين تحت القمع.. الاحتلال الإسرائيلي يحوّل منازل المدنيين إلى ثكنات عسكرية ويدفع باتجاه تهجير قسري

تشهد محافظة جنين في الضفة الغربية تصعيدًا خطيرًا ومتسارعًا في السياسات العسكرية الإسرائيلية، حيث تحوّلت العديد من القرى والبلدات خلال الأسبوع الأخير إلى ساحة عمليات شبه دائمة، وسط اتهامات بفرض تهجير قسري وتضييق ممنهج على السكان المدنيين، الأمر الذي يعكس نمطًا تصعيديًا يثير المخاوف من تحويل المنطقة إلى نموذج آخر لـ"المنطقة العازلة" داخل أراضٍ فلسطينية مأهولة.
عسكرة الحياة المدنية وتحويل المنازل إلى ثكنات
في قرى مثل عانين ورمانة ونزلة الشيخ زيد، أقدمت قوات الاحتلال على اقتحام عشرات المنازل المدنية وتحويلها إلى مواقع ونقاط عسكرية ثابتة، وهو ما يمثل خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر استخدام الممتلكات الخاصة لأغراض عسكرية دون موافقة أصحابها وتحت ظرف الضرورة القصوى.
في عانين، أجبرت قوات الاحتلال خمس عائلات (نحو 50 فرداً) من آل ياسين على إخلاء منازلهم، في مشهد أقرب إلى تهجير موضعي قسري، مع استمرار التواجد العسكري داخل البلدة يوميًا عبر الآليات والحواجز والاستجوابات الميدانية.
وفي رمانة، بلغ عدد المنازل المحوّلة إلى ثكنات عسكرية أحد عشر منزلاً، جميعها في منطقة مرتفعة تطل على البلدة، ما يرجّح فرضية الاستخدام الاستخباراتي والمراقبة العسكرية، في تجاهل تام لأثر هذا الوجود على النسيج الاجتماعي والاقتصادي لسكان البلدة.
تأثيرات نفسية ومعيشية مباشرة
أدى هذا التوغل إلى نشوء حالة من التوتر وعدم الأمان، خاصة بين الأطفال والنساء، وظهور مؤشرات على شلل شبه تام في الحياة اليومية، بما في ذلك تعطيل المدارس، الحركة التجارية، والمرافق الأساسية.
في نزلة الشيخ زيد، شمل التصعيد إغلاق الشوارع الرئيسية ومرافق حيوية كصيدلية وبقالة، ما زاد من تفاقم الأزمة المعيشية، إضافة إلى حوادث اعتقال تعسفي واعتداءات جسدية، مثلما حصل لطالب الثانوية العامة الذي تم احتجازه وتعصيب عينيه.
تصعيد ممنهج وسياسة تنكيل جماعي
تشير هذه الإجراءات إلى تكتيك عسكري ممنهج يهدف إلى إضعاف البيئة الحاضنة لأي شكل من أشكال المقاومة، عبر إيقاع أكبر قدر من الضغط على المدنيين وفرض واقع أمني خانق، وهو ما يقترب من سياسة العقاب الجماعي المحظورة بموجب اتفاقيات جنيف.
يتخذ الاحتلال من المواقع المرتفعة ومنازل المدنيين في أطراف القرى نقاط سيطرة أمنية طويلة الأمد، ما يشير إلى نية تثبيت واقع أمني جديد يشمل مراقبة دائمة وتحكم في حركة السكان.
غياب الأفق السياسي وتعقيد المشهد الإنساني
يأتي هذا التصعيد في ظل غياب أي أفق لحل سياسي شامل، وضمن سياق يتسم بتصاعد عمليات القتل والاعتقالات والهدم الممنهج في الضفة الغربية، ما يفتح الباب أمام تدهور أوسع في الاستقرار المحلي ويعزز احتمالات تفجّر موجات غضب شعبي جديدة.
وفي ظل صمت دولي نسبي، تبدو السلطة الفلسطينية عاجزة عن وقف هذا التدهور، بينما يتصاعد الخطاب داخل المجتمع الفلسطيني بأن الاحتلال يسعى إلى فرض نمط جديد من الاستعمار العسكري الصامت في المناطق الريفية.
ما يجري في محافظة جنين من عسكرة للقرى وتحويل منازل المواطنين إلى ثكنات عسكرية لا يُعد مجرد خرق حقوقي أو تجاوز ميداني، بل يمثل استراتيجية قمعية ممنهجة تهدف إلى كسر الإرادة المجتمعية الفلسطينية في المناطق التي تشهد تاريخيًا حالة من المقاومة والتماسك الشعبي. وهو ما يستوجب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي، وتوثيقًا دقيقًا لهذه الانتهاكات تمهيدًا لإثارتها أمام المحافل القانونية الدولية.