معركة السيادة بين الفيدرالية والولايات.. كاليفورنيا في مواجهة ترمب بعد نشر الحرس الوطني

تشهد الولايات المتحدة أزمة دستورية وقانونية متصاعدة بين البيت الأبيض وولاية كاليفورنيا، في أعقاب قرار الرئيس دونالد ترمب بنشر قوات الحرس الوطني في مدينة لوس أنجلوس، دون تنسيق أو موافقة مسبقة من حاكم الولاية، جافين نيوسوم. القرار فجّر موجة من الجدل حول الحدود القانونية لصلاحيات الرئيس الأميركي في التدخل الفيدرالي، وأعاد إلى الواجهة جدلاً قديماً حول مبدأ الفصل بين السلطات الفيدرالية وسلطة الولايات.
جذور الأزمة: احتجاجات وتوتر ميداني
تعود جذور الأزمة إلى سلسلة احتجاجات اندلعت في كاليفورنيا، تحديدًا في لوس أنجلوس، ضد ممارسات إدارة الهجرة الفيدرالية، التي شنت حملات اعتقال واسعة استهدفت مهاجرين غير شرعيين. التظاهرات، التي امتدت لأربعة أيام، تخللتها اشتباكات مع الشرطة، أسفرت عن اعتقال أكثر من 50 شخصًا، ما دفع الرئيس ترمب إلى وصف ما يجري بأنه "تمرد" يستوجب التدخل العسكري لضمان تطبيق القانون.
هذا التصعيد الميداني وفّر الذريعة لترمب لإصدار أمر رئاسي في 7 يونيو بنشر قوات الحرس الوطني، مدعياً أن الوضع يعرقل قدرة الحكومة الفيدرالية على تنفيذ القوانين، مما يستدعي تفعيل المادة 12406 من الباب العاشر للقانون الأميركي.
الإطار القانوني: قراءة مزدوجة للمادة 12406
الرئيس الأميركي استند في قراره إلى المادة (12406) من قانون مكافحة الشغب، التي تتيح للرئيس استدعاء الحرس الوطني في ثلاث حالات: وقوع غزو، أو تمرد فعلي أو وشيك، أو تعذر تطبيق القوانين الفيدرالية بوسائل أخرى.
لكن قانونيين وخبراء شككوا في مدى انطباق هذه الشروط على الوضع في لوس أنجلوس، معتبرين أن الاحتجاجات رغم شدتها، لا ترقى إلى مستوى "التمرد" ولا تُشكّل تهديدًا جديًا يمنع الحكومة الفيدرالية من ممارسة سلطتها. كما لم يثبت أن تطبيق القوانين تعذّر بشكل كامل، وهي الشروط التي تشترطها المادة لتبرير تدخل الجيش أو الحرس الوطني دون إذن من الولاية المعنية.
الاعتراض القانوني من كاليفورنيا: السيادة على المحك
ردّ حاكم كاليفورنيا لم يتأخر. فقد رفعت الولاية دعوى قضائية ضد إدارة ترمب، تطعن في "عدم شرعية" نشر القوات، وتؤكد أن الخطوة تنتهك التعديل العاشر من الدستور الأميركي، الذي يضمن للولايات صلاحيات غير ممنوحة صراحة للحكومة الفيدرالية.
الدعوى ركّزت على نقطة محورية: أن المادة (12406) تنص ضمناً على أن نشر الحرس الوطني يجب أن يتم عبر حكّام الولايات، وأن تجاوز الحاكم نيوسوم دون استشارة أو تنسيق يُعد خرقًا واضحًا لهذا النص.
معركة التفسير: صراع قانوني بلا سوابق واضحة
القضية تفتقر إلى سوابق قانونية كافية، ما يعقّد مهمة القضاء في حسمها. يُذكر أن المادة 12406 لم تُفعّل سوى مرة واحدة عام 1970 عندما استُدعي الحرس الوطني لتسليم البريد أثناء إضراب عمالي.
في المقابل، يؤكد بعض الخبراء أن الصياغة الفضفاضة للمادة قد تُفسح المجال لتأويل واسع، بينما يشير آخرون إلى أن القضاء الأميركي يمنح أهمية كبيرة لصيغة "يجب" عند تفسير النصوص القانونية، ما قد يدعم موقف نيوسوم بضرورة إشراك الحاكم.
سيناريوهات تصعيد محتملة: هل يلوّح ترمب بقانون التمرد؟
في حال تعثرت مساعي ترمب في تبرير نشر الحرس الوطني بالمادة 12406، يمكنه اللجوء إلى خيار أكثر تطرفًا عبر تفعيل "قانون التمرد" الصادر عام 1792، والذي يمنح الرئيس سلطة أوسع لنشر القوات الفيدرالية داخل الولايات لأغراض إنفاذ القانون.
هذا القانون نادر الاستخدام، وقد فُعّل آخر مرة عام 1992 للسيطرة على اضطرابات لوس أنجلوس بعد محاكمة عناصر شرطة بتهمة الاعتداء على المواطن رودني كينغ. وكان قد استُخدم كذلك عام 1965 دون طلب من الحاكم، عندما أرسل الرئيس ليندون جونسون قوات لحماية المتظاهرين الحقوقيين في ألاباما.
دور قوات المارينز: سلطة مباشرة لكنها محدودة المهام
بالتوازي مع نشر الحرس الوطني، صدرت أوامر من وزير الدفاع بتعبئة 700 عنصر من قوات المارينز. لكن مشاركتهم في عمليات أمنية ميدانية تظل محدودة بموجب قانون "بوسيه كوماتيتوس"، الذي يمنع تدخل القوات المسلحة في إنفاذ القانون المدني، ما لم يُفعّل قانون التمرد.
البنتاغون أوضح أن المارينز سيقتصر دورهم على حماية الممتلكات الفيدرالية والأفراد العاملين في الوكالات، من دون التورط في الاعتقالات أو تفريق الاحتجاجات.
أبعاد الأزمة: اختبار لصلاحيات الرئاسة ومكانة الولايات
ما يجري اليوم بين ترمب وكاليفورنيا يتجاوز أزمة احتجاجات أو جدل حول الأمن الداخلي. إنها معركة دستورية عميقة حول طبيعة الفيدرالية الأميركية، وحدود سلطة الرئاسة في مواجهة استقلالية الولايات.
ففي وقت يُصرّ فيه ترمب على أن الأمن القومي يتطلب الحزم، ترى كاليفورنيا أن هذا "الحزم" تجاوز صلاحياته، ويمهد لتقويض مبدأ أساسي في النظام الأميركي: التوازن بين المركز والولايات.