لوس أنجلوس تشتعل.. اعتقالات المهاجرين تفجّر احتجاجات ومواجهات عنيفة مع الشرطة

في مشهد يعكس التوترات المتصاعدة بين السياسات الفيدرالية المتشددة تجاه الهجرة والمجتمع المحلي في ولاية كاليفورنيا، اندلعت مواجهات عنيفة بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين في مدينة لوس أنجلوس، مساء الجمعة، عقب حملة اعتقالات استهدفت مهاجرين غير شرعيين. هذه الحملة، التي نفذتها وكالة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE)، طالت أكثر من 40 شخصاً في مناطق متفرقة من المدينة، وأعادت إلى الواجهة الجدل المحتدم حول ملف الهجرة في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل تشدد إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب ومؤيديه في هذا الملف.
سياق الحملة وتصاعد التوتر
بدأت الأحداث حين اقتحمت قوافل من المركبات الفيدرالية غير المرقّمة، والمحملة بعناصر أمنية بزي عسكري، مواقع مختلفة في لوس أنجلوس ضمن عمليات مداهمة منظمة. استهدفت هذه الحملة مواقع عمل شائعة بين المهاجرين، مثل متاجر "هوم ديبوت" ومستودعات ملابس، فيما وصفت وسائل إعلام محلية الحملة بأنها استمرار لخطة موسعة تستهدف اجتثاث المهاجرين غير الشرعيين من مدن أميركية كبرى.
رغم أن شرطة لوس أنجلوس لم تشارك في تنفيذ الحملة ذاتها، فإنها وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع غضب شعبي متفجر، بعد أن احتشد متظاهرون أمام مركز احتجاز فيدرالي يعتقد أنه نُقل إليه المعتقلون. سرعان ما تحولت التظاهرة إلى صدامات، مع استخدام الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع، ورذاذ الفلفل، وسط اتهامات باستخدام القوة المفرطة لقمع الحشود.
الاحتجاجات.. رسالة إنسانية أم تحدٍّ أمني؟
حملت التظاهرات طابعاً إنسانياً واضحاً، إذ تعالت أصوات المتظاهرين بهتافات مثل "دعوا الناس يبقون"، و"أطلقوا سراحهم"، ورفعت لافتات تدين وكالة الهجرة وتطالب بإنهاء سياسات الترحيل القسري. وكتب البعض شعارات احتجاجية على جدران المباني الفيدرالية، في رسالة تحدٍ لسياسات تعتبرها الجاليات المحلية تهديداً مباشراً للنسيج الاجتماعي الذي يجمع بين المهاجرين والمقيمين الشرعيين على حد سواء.
إلا أن هذه التظاهرات لم تمر بسلام، فقد أعلنت شرطة المدينة أن التجمع بات غير قانوني مع حلول الظلام، ما أتاح لها قانونياً البدء في تفريقه بالقوة واعتقال من لم يغادر المكان.
خلفية سياسية.. إرث ترمب وسياسات الترحيل
تأتي هذه الحملة في إطار مواصلة النهج المتشدد تجاه المهاجرين غير النظاميين، وهو أحد أبرز الشعارات السياسية التي تبناها الرئيس السابق دونالد ترمب، ويبدو أن أنصاره في الكونغرس والمؤسسات التنفيذية لا يزالون يدفعون بها قدماً. وقد سبق لهذه الإدارة أن نفّذت حملات مشابهة تسببت في احتجاز مئات العائلات، بما في ذلك أطفال جرى فصلهم عن ذويهم، مما أثار انتقادات حقوقية واسعة داخل وخارج الولايات المتحدة.
وفيما تسعى الولايات المتقدمة مثل كاليفورنيا لحماية المهاجرين من السياسات الفيدرالية عبر قوانين محلية أكثر تساهلاً، تبقى مثل هذه الحوادث مؤشراً خطيراً على هشاشة العلاقة بين المؤسسات الفيدرالية والمجتمعات المحلية.
صراع الهويات ومستقبل المهاجرين في أميركا
ما حدث في لوس أنجلوس ليس حادثاً عارضاً، بل امتداد لصراع أعمق حول الهوية الوطنية، والحقوق المدنية، والموقف من الآخر. مع اقتراب موسم الانتخابات، قد تتكرر هذه المشاهد في مدن أميركية أخرى، خصوصاً إذا استُخدم ملف الهجرة مجدداً كأداة لحشد الأصوات في الخطاب السياسي.
في هذا السياق، يبدو أن أميركا، الدولة التي تأسست على أكتاف المهاجرين، تخوض اليوم اختباراً قاسياً حول قدرتها على التوازن بين تطبيق القانون، وحماية الكرامة الإنسانية.