محادثات المعادن النادرة والتجارة.. ترمب يفتح باب التفاهم مع الصين مجددًا

في تطور جديد على صعيد العلاقات الاقتصادية المعقدة بين الولايات المتحدة والصين، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عن موافقة نظيره الصيني شي جين بينغ على استئناف تدفق المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة، في خطوة قد تمثل انفراجة جزئية في الحرب التجارية الطويلة بين أكبر اقتصادين في العالم.
المعادن الأرضية النادرة تمثل عنصرًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في الصناعات التكنولوجية والدفاعية، بدءاً من الهواتف الذكية إلى أنظمة التوجيه الصاروخي. وكانت الصين تلوّح مرارًا باستخدام هذه الموارد كسلاح تفاوضي ضد واشنطن، ما أثار مخاوف واسعة النطاق في دوائر التصنيع والتكنولوجيا الأميركية.
وقال ترمب للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية، إن التقدم في المفاوضات مع الصين كان كبيرًا، ووصف الصفقة المحتملة بأنها "معقدة" لكنها ستعود على الولايات المتحدة بـ"الكثير من الأموال". هذه التصريحات تعكس توجهًا جديدًا لدى الإدارة الأميركية نحو تبريد التوترات بعد أشهر من التصعيد، والبحث عن صيغة توافقية تُراعي مصالح الطرفين، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات.
من جانب آخر، كشف ترمب عن لقاء مرتقب بين وفدين من الجانبين الأميركي والصيني في لندن يوم الإثنين 9 يونيو، ويضم الوفد الأميركي ثلاثة من كبار المسؤولين: وزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، والممثل التجاري للولايات المتحدة جيميسون جرير. ورجّح ترمب أن يكون الاجتماع "جيدًا للغاية"، مضيفًا في منشور له على منصة "تروث سوشيال" شكره للاهتمام بهذا الملف.
وتأتي هذه التحركات في أعقاب مكالمة هاتفية بين الرئيسين ترمب وشي، أعلن بعدها الطرفان عن توافق مبدئي على السعي نحو اتفاق تجاري شامل، رغم ما وصفه الرئيس الصيني بضرورة تقديم الطرفين لتنازلات تضمن تحقيق اتفاق عادل ومتوازن.
خلفية الأزمة
تعود جذور النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين إلى عام 2018، حين فرضت إدارة ترمب رسومًا جمركية ضخمة على السلع الصينية، متهمة بكين بممارسات تجارية غير عادلة، وسرقة حقوق الملكية الفكرية، والإغراق. وردت الصين برسوم انتقامية، مما أدخل الطرفين في دوامة من العقوبات والإجراءات الحمائية أثرت سلبًا على الأسواق العالمية.
وكان ملف المعادن الأرضية النادرة أحد أوراق الضغط المهمة في يد الصين، نظرًا لسيطرتها شبه الكاملة على إنتاج هذه المواد عالميًا. وقد أثار أي تقييد في تصديرها قلقاً بالغًا في الولايات المتحدة، ما دفع واشنطن للبحث عن بدائل توريد، لكن دون نتائج فعالة حتى الآن.
خطاب تصالحي
الخطاب التصالحي الأخير من الجانبين يوحي بوجود نية سياسية لتفكيك التعقيدات التي تراكمت على مدار سنوات النزاع، وربما يعكس رغبة في تحقيق مكاسب اقتصادية سريعة قبل استحقاقات سياسية داخلية، خاصة في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية وتباطؤ النمو في البلدين.
لكن ورغم التقدم المعلن، تبقى الشكوك قائمة بشأن مدى قدرة الطرفين على تجاوز العقبات الجوهرية التي تعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي، مثل قضايا الملكية الفكرية، والدعم الحكومي للمؤسسات الصينية، والوصول المتبادل للأسواق.
في المحصلة، قد تمثل استئناف تصدير المعادن الأرضية النادرة خطوة أولى رمزية باتجاه تهدئة الحرب التجارية، لكنها بالتأكيد لا تعني نهاية الصراع الاستراتيجي طويل الأمد بين واشنطن وبكين، والذي يتجاوز حدود التجارة إلى قضايا النفوذ الجيوسياسي والتكنولوجي.