اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

ألمانيا تسعى لبناء أقوى جيش أوروبي.. تحديات ملحة وخطط طموحة حتى 2029

ألمانيا
ألمانيا

أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس في خطابه الأول أمام البرلمان الألماني (البوندستاج) في 14 مايو 2025 عن توجه حكومته لتعزيز القدرات العسكرية للجيش الألماني، بهدف أن يصبح "أقوى جيش تقليدي في أوروبا". هذه الخطوة تبدو منطقية إذا ما استندنا إلى موقع ألمانيا الاقتصادي والديموغرافي كأكبر دولة أوروبية، حيث تمتلك أكبر اقتصاد وعدد سكان، مما يؤهلها لتحمل أعباء عسكرية تتناسب مع مكانتها.


لكن التاريخ العسكري لألمانيا، خصوصاً منذ الحرب العالمية الثانية، يوضح واقعاً مختلفاً. فقد ظل الجيش الألماني خلال ثمانين عاماً الماضية أقل تطوراً وقدرة مقارنة بجيوش أوروبا الغربية مثل فرنسا وبريطانيا، اللتين تملكان أسلحة نووية، في حين كانت قدرة ألمانيا محدودة لأسباب تاريخية وأخلاقية ترتبط بشكل وثيق بخلفية "ألمانيا النازية" وجرائم الحرب التي ارتكبتها.


الجذور التاريخية للتحفظ على التسليح الألماني


بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حرص الحلفاء الغربيون (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا) والاتحاد السوفيتي على منع إعادة تسليح ألمانيا بشكل مستقل، خشية أن تتحول ألمانيا مرة أخرى إلى قوة عسكرية مهيمنة في أوروبا. لذلك، حين سمحوا لألمانيا الغربية بالانضمام إلى حلف الناتو في 1955، وضعوا قواتها تحت قيادة الحلف وقيوده، بحيث كانت ألمانيا تساهم ضمن إطار دفاعي جماعي وليس كقوة عسكرية مستقلة.
تحفظات القوى الأوروبية على الوحدة الألمانية
مع انهيار جدار برلين عام 1989 وبدء عملية الوحدة الألمانية، أبدت فرنسا وبريطانيا تحفظات كبيرة خشية من هيمنة ألمانية موحدة وقوية، لكن الضغوط الدولية خصوصاً من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بالإضافة إلى التنازلات الاقتصادية التي قدمها المستشار هلموت كول، مهدت الطريق للوحدة الألمانية في 1990، مع تأكيد أن القوة العسكرية الألمانية يجب أن تبقى تحت مراقبة حلف الناتو.


ميرتس يكمل طريق الوحدة العسكرية


ميرتس، الذي ينتمي إلى الحزب المسيحي الديمقراطي نفسه الذي كان ينتمي إليه أديناور وكول، أعلن عن تعزيز الجيش الألماني في سياق مواجهة التهديد الروسي ودعم أوكرانيا. لكنه شدد على ضرورة أن يكون ذلك ضمن إطار الناتو والاتحاد الأوروبي، مع التأكيد على أن "القوة تردع العدوان والضعف يغري العدو".
تدشين اللواء الألماني 45 في ليتوانيا، والذي سيضم حوالي 5 آلاف جندي بحلول 2027، هو تحرك ملموس يدل على استعداد ألمانيا لتحمل المزيد من المسؤولية في الدفاع عن الحلف، خصوصاً في الجبهة الشرقية المجاورة لروسيا، ويمثل رسالة واضحة إلى موسكو بخصوص التحول العسكري الألماني، ورسالة إلى واشنطن تؤكد التزام برلين بدعم حلف الناتو.


التحديات الداخلية والخارجية في تعزيز الجيش


ألمانيا تواجه تحديات متعددة في مشروع إعادة بناء جيشها:
القدرات العسكرية المتراجعة: بعد سنوات من تقليص الإنفاق العسكري وانتهاء الخدمة العسكرية الإلزامية عام 2011، أصبح الجيش الألماني "مهلهلاً" وفق وصف مفتش الجيش في بداية الحرب في أوكرانيا عام 2022.


الميزانيات: على الرغم من تخصيص صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو لتعزيز القدرات العسكرية، فإن هناك خلافات داخل الحكومة حول مدى زيادة الإنفاق العسكري، خاصة في ظل الجدل حول رفع حصة الإنفاق إلى 5% من الناتج القومي، والذي سيعني إنفاقاً يصل إلى نحو 200 مليار يورو، وهو رقم يثير الجدل في الداخل الألماني.


النقص في العتاد والذخيرة: تسليم جزء كبير من العتاد لأوكرانيا خلال السنوات الثلاث الماضية أضعف مخزون الجيش، والحصول على معدات متطورة سيستغرق سنوات بسبب محدودية قدرة صناعة الأسلحة.


النقص في الجنود: مع وجود نحو 180 ألف جندي فقط حالياً، تسعى الحكومة لزيادة العدد بحوالي 100 ألف خلال عامين، عبر تجنيد طوعي أولاً، مع جدل حول إعادة الخدمة العسكرية الإلزامية، التي كانت تمثل سابقاً المصدر الرئيسي لقوات الاحتياط.


تحولات في السياق الأمني والسياسي الدولي


الحرب الروسية على أوكرانيا: فتحت هذه الحرب أعين الألمان والدول الأوروبية على الحاجة لإعادة بناء قدراتها الدفاعية في مواجهة تهديدات روسية واضحة.


ضغط الولايات المتحدة: إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب طالبت دول الناتو بزيادة إنفاقها العسكري، مهددة بسحب الدعم الأمني، مما دفع ألمانيا لتسريع خطط تسليحها.


التنسيق داخل حلف الناتو: دعا ميرتس إلى تنسيق أفضل بين دول الحلف في تصنيع السلاح وتوحيد الذخيرة والأنظمة، لتسريع الإنتاج وتقليل التكاليف.


البعد الزمني والاستراتيجي


يشير المفتش العام للجيش الألماني إلى أن الجيش يجب أن يكون جاهزاً لمواجهة تهديدات روسية محتملة بحلول عام 2029، استناداً إلى تقديرات بزيادة حجم الجيش الروسي وقدرته على شن هجمات على دول الناتو. ويعتبر بروير أن الردع عبر القوة والاستعداد هو أفضل وسيلة لمنع أي اعتداء.

موضوعات متعلقة