اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

طلاق غاضب أم ولادة دفاع مستقل؟.. أوروبا أمام اختبار الصدمة الاستراتيجية بعد تراجع الحضور الأميركي

المفوض الأوروبي
المفوض الأوروبي

في خطاب لافت لا يخلو من التحذير الصريح، وجّه المفوض الأوروبي للدفاع والفضاء، أندريوس كوبليوس، نداءً صريحاً لدول الاتحاد الأوروبي للاستعداد لمرحلة جديدة عنوانها: "الانسحاب الأميركي التدريجي من أوروبا"، وما قد يترتب عليه من تداعيات استراتيجية كبرى في بنية الأمن القاري.


ففي كلمته خلال منتدى جائزة "شارلمان" الأوروبية، لم يكتفِ كوبليوس بالإشارة إلى تغيّر الأولويات الأميركية، بل وصف المرحلة القادمة بـ"الطلاق الغاضب" بين أوروبا والولايات المتحدة، محذراً من أن هذا الانفصال الدفاعي العاطفي قد يتحول إلى أزمة كبرى ما لم يُقابل بسياسات أوروبية واقعية ومسؤولة.


محور التحول.. من الأطلسي إلى المحيط الهادئ


يرى كوبليوس أن الانسحاب الأميركي لا يعني بالضرورة تفكك حلف شمال الأطلسي، لكنه يُعيد رسم خارطة أولويات واشنطن التي بدأت تُوجه تركيزها نحو منطقة الهند والمحيط الهادئ، حيث تزداد المخاوف من التهديد العسكري الصيني المتصاعد. وبالتالي، تخلت الولايات المتحدة تدريجياً عن لعب دور الضامن الأمني الأول في أوروبا، مما يضع القارة أمام مسؤولية كبرى: إعادة هندسة أمنها بمواردها الذاتية.

ثلاثية الأزمة الأوروبية


أوضح كوبليوس أن أوروبا اليوم تواجه ما وصفه بـ"العاصفة المثالية"، والمقصود بها تزامن ثلاثة تحديات كبرى:
الانسحاب الأميركي التدريجي من القارة الأوروبية.

استمرار الحرب الروسية الأوكرانية دون أفق قريب للحل.

تصاعد العدوانية الروسية بقيادة فلاديمير بوتين، واعتماد موسكو المتزايد على سلاح الطائرات المسيّرة، والتكتيكات الهجينة.

وقال كوبليوس محذراً: "في حال وقوع عدوان روسي على دولة عضو في الناتو أو الاتحاد الأوروبي، فإن أوروبا ستواجه جيشاً روسياً خبيراً ميدانياً ومزوداً بملايين الطائرات المسيّرة. فهل نحن مستعدون لذلك؟ أشك في ذلك".

قفزة استراتيجية

بدلاً من الوقوع في فخ الذعر والارتباك، دعا كوبليوس الأوروبيين إلى التحول الاستباقي عبر ما وصفه بـ"القرارات الجريئة والإصلاحات الاستراتيجية". ففي غياب الحماية الأميركية، ينبغي لأوروبا أن تتخلى عن خطاب اللوم والشكاية، وأن تبدأ فعلياً في تقاسم أعباء الدفاع، مادياً وتقنياً وعقائدياً.


فجوة دفاعية وتمويل ضخم

كشف كوبليوس أن أوروبا تعاني من فجوة كبيرة في الاستعداد الدفاعي، مشيراً إلى أن تعويض الانسحاب الأميركي سيتطلب:
زيادة هائلة في إنتاج وشراء الأسلحة.
رفع مستوى الصناعات الدفاعية في القارة.


تعزيز ما يسمى "الممكنات الاستراتيجية" مثل الاستخبارات الفضائية، وقيادة العمليات، والنقل الجوي الثقيل، وهي كلها مجالات تعتمد فيها أوروبا حالياً على الدعم الأميركي.

في هذا السياق، قدّر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن كلفة سد الفجوة الدفاعية التي ستتركها الولايات المتحدة في الناتو قد تصل إلى تريليون دولار، وهي كلفة باهظة، لكنها ضرورية، بحسب كوبليوس.
صندوق SAFE: التمويل المشترك بين دعم أوكرانيا وبناء الدفاع الأوروبي
وأشار المفوض إلى أن تحقيق هذا التحول الاستراتيجي يمكن أن يُموّل من خلال أداة "الأمن من أجل أوروبا" (SAFE)، وهي آلية مالية حديثة أُقرّت بقيمة 150 مليار يورو، على شكل قروض مقابل شراء الأسلحة. واعتبر كوبليوس هذه الأداة بمثابة "اختراق كبير" في طريق دعم أوكرانيا وبناء الدفاع الأوروبي المشترك.

شراكة أمنية ضرورية

رغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، شدد كوبليوس على ضرورة أن تكون المملكة المتحدة وأوكرانيا جزءاً من الهيكل الأمني الأوروبي الجديد، مؤكداً أن كييف، بجيشها المخضرم وخبرتها القتالية، تمثل الآن خط الدفاع الأمامي في مواجهة الخطر الروسي.
وفي هذا السياق، طرح سؤالاً حاسماً: "هل يمكن تحقيق السلام أو انتصار أوكرانيا بعد الانسحاب الأميركي؟"، ليجيب بثقة: "نعم، هذا ممكن"، لكن بشرط أن تتحمل أوروبا مسؤولياتها بالكامل.
تصريحات كوبليوس تشكل جرس إنذار استراتيجي يعلن انتهاء مرحلة الاعتماد الأوروبي على المظلة الأميركية، ويطالب أوروبا بتحقيق "الاستقلال السيادي الدفاعي" دون الانفصال عن تحالف الناتو. فالعالم يتغير بسرعة، وروسيا تزداد عدوانية، والصين تُصعّد طموحاتها، وأوكرانيا لا تزال تحترق.

موضوعات متعلقة