اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

غزة بين الجوع والموت.. قصف مراكز المساعدات وتهاوي النظام الإنساني تحت نيران الاحتلال

غزة
غزة

في مشهد يتكرر بفظاعته، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة صباح الثلاثاء، استُشهد فيها ما لا يقل عن 27 مدنيًا وأُصيب أكثر من 90 آخرين، جراء استهداف مباشر للنازحين المتجمعين حول مركز توزيع مساعدات إنسانية غرب مدينة رفح، جنوب قطاع غزة.

ووفقًا لما أفاد به مراسلون ميدانيون، فقد أطلقت المدفعية الإسرائيلية والطائرات الحربية قذائفها ونيرانها تجاه مئات المدنيين الذين كانوا ينتظرون الحصول على المساعدات في منطقة دوّار العلم، غرب المدينة، في لحظة يفترض أن تمثّل أملاً بقاء، لا لحظة هلاك. هذا الهجوم الوحشي أسفر عن سقوط عدد كبير من الشهداء، غالبيتهم من النساء والأطفال، فيما سُجلت إصابات حرجة استنزفت قدرات الطواقم الطبية التي باتت على شفير الانهيار.

جريمة إنسانية

في هذا السياق، نددت منظمة "أطباء بلا حدود" بهذه الجريمة، محذّرة من أن استهداف مراكز توزيع المساعدات المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل يمثل تطورًا خطيرًا في استخدام "العمل الإنساني كسلاح"، وهو ما قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية. وأوضحت المنظمة أن الفرق الطبية اضطرت للتبرع بالدم لإنقاذ الجرحى، في ظل نفاد مخزون بنوك الدم، ما يعكس الحالة الكارثية للنظام الصحي في غزة.

وفي موقف صارخ يؤكد الفشل الذريع للآلية الدولية الجديدة لتوزيع المساعدات، اعتبر فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأونروا، أن هذه الآلية ما هي إلا "فخ مميت" يدفع المدنيين للسير في خطوط نيران الاحتلال بحجة تنظيم الإغاثة.

وأضاف أن حصر التوزيع في 3 أو 4 مناطق يجبر السكان على التحرك لمسافات بعيدة وخطيرة، في حين كانت الأونروا سابقًا تُدير أكثر من 400 نقطة توزيع. ولفت لازاريني إلى أن أكثر من 310 موظفًا من الوكالة لا يزالون يعملون وسط الحرب، لكنهم ممنوعون من الوصول إلى المدنيين بحرية.

يأتي هذا في وقت أغلق فيه مستوطنون إسرائيليون مدخل قرية اللبن الشرقية قرب نابلس، في الضفة الغربية، تحت حماية الجيش، مانعين الطلبة من الوصول إلى مدارسهم، ومؤدين طقوسًا دينية واستفزازية عند مدخل القرية. هذا النوع من التصعيد المنسق بين المستوطنين والجيش يعد مؤشرًا على سياسة العقاب الجماعي التي تُمارَس بحق الفلسطينيين في كل من غزة والضفة على حد سواء.

وفي وقت لاحق من اليوم ذاته، قُتل ما لا يقل عن 10 مواطنين آخرين بينهم أطفال، في سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت عدة مواقع في خان يونس وجباليا. شملت الضربات ديوان عائلة النجار الذي كان يؤوي نازحين، بالإضافة إلى خيمة للمدنيين شمال غرب المدينة، ومناطق سكنية قرب الأسواق، ما يشير إلى نهج متعمد في قصف التجمعات المدنية.

ارتفاع عدد الشهداء

ووفق مصادر طبية، فقد وصل عدد الشهداء في مجمع ناصر الطبي وحده إلى 32 شهيدًا منذ فجر الثلاثاء، بينهم 24 نتيجة الهجوم على مركز المساعدات برفح، في تأكيد على استهداف منهجي للمساعدات والمحتاجين إليها.

منذ اندلاع العدوان في 7 أكتوبر 2023، تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين 54,470 مواطنًا، معظمهم من الأطفال والنساء، فيما تخطى عدد الجرحى 124,000 جريح. ولا تزال فرق الإنقاذ عاجزة عن الوصول لعدد غير معلوم من الضحايا تحت الأنقاض، بفعل استمرار القصف ومنع وصول المساعدات وفرق الإنقاذ.

هذه الوقائع المتسارعة تكشف أن العمل الإنساني في غزة لم يعد آمنًا، بل أصبح هدفًا بحد ذاته. استخدام التجمعات السكانية المتجهة نحو المساعدات كأهداف عسكرية يشير إلى تحول استراتيجي خطير في نهج الاحتلال، ينقل العدوان من ساحة المواجهة إلى ما يُفترض أنه فضاء الإغاثة.

إنّ استهداف مركز للمساعدات يعني أن الاحتلال بات يُخضع حتى الغذاء والدواء لنظام العقوبة الجماعية، وهو ما يستدعي مساءلة قانونية دولية فورية، وتدخلًا عاجلًا لإعادة النظر في الطريقة التي تُدار بها المعونات. كما أن فشل النظام الجديد لتوزيع الإغاثة الذي فُرض تحت ضغط أمريكي-إسرائيلي، يوضح عجز المنظمات الدولية عن حماية المدنيين وضمان حقهم في البقاء.

ببساطة، تُقتل غزة الآن جوعًا ونارًا، تحت أعين المجتمع الدولي، وفي صمتٍ شبه تام من المؤسسات الحقوقية والإنسانية.

موضوعات متعلقة