50 ألف طفل بين قتيل وجريح في غزة.. جرح مفتوح في الضمير الإنساني

في تصريح صادم يسلط الضوء على حجم المأساة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن نحو 50 ألف طفل فلسطيني قد استشهدوا أو أصيبوا خلال العشرين شهراً الماضية فقط، نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
هذا الرقم المفزع لا يعكس مجرد إحصاءٍ بشري، بل يختزل في طياته معاناة جيلٍ كامل من الأطفال حُرم من أبسط حقوقه في الحياة الآمنة والتعليم والرعاية الصحية. وبينما يفترض أن يكون الأطفال أكثر فئات المجتمع حاجةً إلى الحماية، فإنهم في غزة أصبحوا هدفًا مباشرًا للقصف والتدمير، أو ضحايا جانبيين لانهيار المنظومة الإنسانية بالكامل.
وأكدت الأونروا أن الاستهداف لا يقتصر على الأطفال فقط، بل يشمل المدنيين كافة، بما فيهم العاملون في المجال الإنساني والطبي، والصحفيون، الذين يُفترض أن يحظوا بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني. ومع ذلك، لا تزال الأرقام تتصاعد، في ظل استمرار العمليات العسكرية والحصار، وتآكل قدرة المؤسسات المحلية والدولية على تقديم العون في ظل بيئة أمنية مشتعلة.
الإبادة الصامتة تحت أعين العالم
ما يُثير القلق أكثر أن هذه الأرقام تأتي في سياق يبدو فيه العالم عاجزًا – أو متواطئًا بصمته – عن اتخاذ خطوات ملموسة لوقف الكارثة. فبينما تُطلق الأونروا ومنظمات أخرى نداءات استغاثة متكررة، تتواصل الهجمات التي تُخلف دمارًا هائلًا في البنية التحتية، وتحول المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين إلى مساحات للدمار واليأس.
من جهة أخرى، يضع هذا التصعيد المنهجي المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي عسير. إذ تُمثل حماية الأطفال والكوادر الإنسانية التزامًا راسخًا في القانون الدولي، غير أن ما يجري في غزة يكشف عن تآكل هذه الالتزامات حين تُصطدم بحسابات المصالح الجيوسياسية والدبلوماسية.
جيل كامل على حافة الضياع
الأرقام التي كشفت عنها الأونروا لا تقتصر على الخسائر الجسدية فحسب، بل تُنذر بكارثة نفسية واجتماعية تمتد لعقود. جيل الأطفال في غزة يُعاني من صدمات متكررة، وفقدان الأحبة، وانعدام الأفق، مما يجعل من عملية التعافي مهمة شبه مستحيلة دون تدخل دولي جاد ومستدام.
إن الصمت عن هذا المشهد، أو التواطؤ مع استمراره، ليس مجرد تقاعس إنساني، بل مساهمة فعلية في جريمة مكتملة الأركان. ويبقى السؤال معلقًا: متى يتحرك الضمير العالمي قبل أن تتحول غزة إلى مقبرة جماعية لجيلٍ بريء لم يُمنح حتى فرصة البكاء؟.
غدر إسرائيلي
فجر الاثنين، تلقّت غزة جرحًا جديدًا ينزف في قلب كارثتها الإنسانية، مع استشهاد ثلاثة فلسطينيين وإصابة 35 آخرين غرب مدينة رفح برصاص القوات الإسرائيلية، في محيط مركز مساعدات تديره مؤسسة أمنية أميركية خاصة. تأتي هذه الحادثة الدامية وسط تساؤلات متزايدة حول أخلاقيات إدارة المساعدات الدولية، والتواطؤ السياسي الذي يغلف عمليات الإغاثة في القطاع المنكوب.
بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، أطلقت قوات الاحتلال النار بشكل مباشر على تجمع للمدنيين الفلسطينيين قرب مركز توزيع مساعدات تابع لشركة أميركية تُديرها مؤسسة «غزة الإنسانية»، ما أسفر عن سقوط الضحايا. القصف تم في منطقة "مصنفة في الخانة الحمراء" أمنيًا، وهو ما يعني بحسب تعريف الاحتلال منطقة يُمنع الوصول إليها، حتى للطواقم الطبية. وأكدت إدارة الدفاع المدني في غزة أن قوات الاحتلال منعت وصول سيارات الإسعاف لإجلاء المصابين، مما فاقم أعداد الضحايا وأدى إلى إصابات حرجة.
هذه الحادثة ليست معزولة، بل تأتي ضمن سياق تصعيد إسرائيلي أوسع. ففي اليوم نفسه، استشهد المواطن حسام بسام وافي (36 عامًا) متأثرًا بجراحه جراء قصف شارع صلاح الدين شرق خان يونس. كما شهدت مناطق متفرقة من القطاع دمارًا واسعًا: نسف منازل في رفح والقرارة، وتدمير مسجد أنصار في دير البلح بثلاثة صواريخ، وقصف مدفعي على محيط دوار الصفطاوي شمال غربي غزة.