انتحال رقمي في قلب البيت الأبيض.. أزمة أمنية تهدد ثقة النخبة الجمهورية

تشهد الولايات المتحدة واحدة من أكثر الحوادث الأمنية حساسية في أروقة السلطة، بعد كشف صحيفة وول ستريت جورنال عن محاولة اختراق من نوع جديد، تمثّلت في انتحال شخصية "سوزي وايلز"، كبيرة موظفي البيت الأبيض وأقرب مستشاري دونالد ترامب، عبر اتصالات ورسائل استهدفت شخصيات نافذة في الحزب الجمهوري ومجتمع الأعمال الأميركي.
1. انتحال مدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي
في هذه القضية التي تفتح باباً مقلقاً على إمكانيات الذكاء الاصطناعي في التشويش السياسي والتلاعب بالثقة، قام شخص مجهول بالتواصل مع أعضاء في مجلس الشيوخ، حكّام ولايات، ورجال أعمال نافذين، منتحلاً شخصية وايلز. استخدم في ذلك تقنيات متقدمة لتقليد صوتها، ما يجعل من المرجح أن أدوات "التزييف العميق الصوتي" (voice deepfake) قد استُخدمت بمهارة يصعب كشفها.
وقد أوضح أشخاص استمعوا إلى المكالمات أن الصوت بدا مقنعاً في مرات عديدة، رغم بعض الثغرات اللغوية التي كشفت عدم أصالة الرسائل. فبعض الرسائل النصية كانت تحمل أسلوباً رسمياً لا يشبه أسلوب وايلز المعتاد، فيما تضمنت أخطاء لغوية وقواعدية فاقمت الشكوك.
2. أهداف ورسائل مشبوهة
الأخطر من الانتحال الصوتي كان فحوى الرسائل نفسها: طلبات بتحويلات مالية، وأخرى بإعداد قوائم عفو رئاسي، وهي أمور بالغة الحساسية سياسياً وقانونياً. بدأ الشك يتسلل إلى المتلقين عندما شرع المنتحل في طرح أسئلة كان يُفترض أن تعرف وايلز أجوبتها، ما عمّق القناعة بأن شيئاً مريباً يجري خلف الكواليس.
3. ثغرات أمنية ومخاوف اختراق
التحقيقات كشفت أن جهات الاتصال التي استُخدمت في هذه المحاولة قد تكون سُحبت من الهاتف الشخصي لوايلز، وهو ما يشير إلى خرق أمني مباشر. كما تجدر الإشارة إلى أن هذا الهاتف سبق أن تعرض لحادثة اختراق العام الماضي من قبل عملاء إيرانيين، ما يجعل فرضية استمرار التتبع السيبراني قائمة، حتى وإن استُبعد حالياً تورط دولة أجنبية في الواقعة الأخيرة.
4. هل تتعرض حملة ترامب لضربات تحت الحزام؟
الأزمة تأتي في لحظة دقيقة، حيث يُعيد ترامب بناء شبكته الانتخابية استعداداً للانتخابات الرئاسية القادمة، وتُعد سوزي وايلز حجر الأساس في هذه الخطة. انتحال شخصيتها لا يمس فقط الأمن السيبراني، بل يضرب في عمق الثقة داخل شبكة المقربين من ترامب. وبالنظر إلى العلاقات المتشابكة لوايلز، خاصة في فلوريدا وواشنطن، فإن احتمال تسريب بيانات أو محاولة التأثير على حلفاء ترامب يثير تساؤلات حول النوايا الخفية وراء هذه العملية.
5. موقف البيت الأبيض وFBI
حتى الآن، لم تُحدد هوية الفاعل، ولكن البيت الأبيض ومكتب التحقيقات الفيدرالي يأخذان القضية على محمل الجد، حيث شدّد مكتب التحقيقات على أن حماية قنوات الاتصال الرسمية تُعد "أولوية قصوى". وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض استمرار التحقيق، مع توجيه رسائل إلى الموظفين بعدم التفاعل مع الرسائل المشبوهة.
6. ما وراء السطح: قراءة في التوقيت والدلالات
توقيت الحادثة – الذي تزامن مع سفر وايلز مع ترامب في جولة إلى الشرق الأوسط – قد لا يكون مجرد مصادفة. استمرار إرسال الرسائل خلال فترة وجودها خارج البلاد، ربما كان يهدف إلى استغلال ضعف الرقابة اللحظية عليها، ما يشير إلى تخطيط ذكي من الجهة المنفذة. كما أن ظهور مثل هذا الانتحال في خضم التحضير الانتخابي قد يكون مؤشراً على موجة "هجمات ناعمة" تستهدف تفكيك الثقة داخل المعسكر الجمهوري دون إطلاق رصاصة واحدة.