الأونروا بين شبح الإفلاس والتهميش.. لازاريني يقرع ناقوس الخطر في غزة

في مؤتمر صحفي عقده في طوكيو، أطلق المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، تحذيرًا صارخًا من تفاقم الأزمة المالية التي تعصف بالوكالة، معلنًا أن الوضع بات "مُزرِيًا" وأن استمرارية عمليات الأونروا بعد يونيو المقبل باتت في مهب الريح ما لم يتم تأمين دعم مالي عاجل.
الأزمة المالية.. مأزق وجودي يهدد الأونروا
الأونروا، التي تُعد الشريان الإنساني الرئيسي لملايين اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن، تعاني منذ سنوات من فجوات تمويلية متكررة، غير أن التصريحات الأخيرة للازاريني تكشف عن دخول الأزمة مرحلة حرجة، ربما هي الأخطر منذ تأسيس الوكالة عام 1949. هذا الانهيار المحتمل في تمويل الوكالة لا يهدد فقط عمليات الإغاثة، بل أيضاً الاستقرار الاجتماعي في المناطق التي تعتمد على خدماتها الصحية والتعليمية والغذائية.
نظام التوزيع البديل.. تضارب في الأولويات وإهدار للموارد
في تصعيد غير معتاد، وجّه لازاريني انتقادات مباشرة إلى النظام البديل الذي تدعمه الولايات المتحدة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، واصفًا إياه بأنه "إهدار للموارد" و"إلهاء عن الفظائع". في تصريحه من اليابان، أكد أن الأونروا والمنظمات الإنسانية العاملة على الأرض تمتلك البنية التحتية، والخبرة، والكوادر اللازمة للوصول الفعّال إلى الفئات الأكثر احتياجًا، ما يجعل الاستعانة بنظم بديلة مزدوجة التكاليف ومفتقرة إلى الكفاءة الإنسانية واللوجستية.
هذه التصريحات تكشف عن صراع غير معلن بين توجهات بعض الدول الداعمة التي تسعى لإعادة هندسة منظومة الإغاثة في غزة بمعزل عن الأونروا، وبين جهود المنظمات الأممية للحفاظ على وحدة المسار الإنساني وكفاءته. اللافت أن لازاريني وصف هذا التوجه بأنه يشتت الانتباه الدولي عن "الفظائع" التي ترتكب في غزة، ما يطرح تساؤلات عن تسييس العمل الإنساني وتغييبه عن جوهر الأزمة: كارثة إنسانية متفاقمة في ظل حصار ونزاع مستمر.
سباق مع الزمن.. المجاعة تلوح في الأفق
أكثر ما يثير القلق في خطاب لازاريني هو التحذير من أن المجاعة باتت وشيكة، مشددًا على أن الوقت ينفد بسرعة. يأتي هذا في سياق التقارير المتكررة عن تدهور الوضع الغذائي في القطاع، خاصة في شمال غزة، حيث تعاني آلاف الأسر من سوء تغذية حاد في ظل تعطل سلاسل الإمداد والقيود المفروضة على إدخال المواد الأساسية.
التحذير لا يتعلق فقط بالاحتياجات الآنية، بل بتقويض البنية المجتمعية والصحية على المدى البعيد. إذ إن انهيار الخدمات التي تقدمها الأونروا قد يُفضي إلى انهيار نظام دعم مجتمعي كامل يعتمد عليه أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، معظمهم يعيشون تحت خط الفقر.
الأونروا كاختبار لصدق الالتزامات الدولية
تكشف تصريحات لازاريني عمق الفجوة بين الخطاب الدولي الإنساني والواقع الفعلي على الأرض. الأونروا لم تعد فقط وكالة إغاثة، بل صارت رمزًا للاستمرارية في وجه الانهيار الشامل، ومقياسًا لجدية المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته التاريخية والإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني.
إن استمرار تهميش الأونروا، أو تركها تواجه مصيرها دون دعم ملموس، يُنذر بكارثة إنسانية وأخلاقية، ويطرح تساؤلاً وجوديًا: هل لا يزال هناك مكان للعمل الإنساني النزيه في خضم النزاعات الجيوسياسية؟.