الانتخابات الجزائرية 2024.. نسبة المشاركة المتدنية تكشف عن أزمة ثقة وتحديات الديمقراطية
في الانتخابات الرئاسية الجزائرية الأخيرة، خيبت السلطة آمالها في تحقيق إقبال كثيف، إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة 48% وفقًا للنتائج الأولية. تأتي هذه الانتخابات في ظل السباق المحسوم لصالح الرئيس المنتهية ولايته، عبد المجيد تبون.
في تعليق له، أرجع حسني عبيدي من مركز "سيرمام" للدراسات في جنيف انخفاض نسبة المشاركة إلى "الحملة الانتخابية المتواضعة" ووجود متنافسين "لم يرتقوا إلى المستوى المطلوب"، بالإضافة إلى الرئيس الذي "عقد بالكاد أربعة تجمعات انتخابية". وأشار عبيدي إلى أن الناخبين قد يشعرون بعدم جدوى التصويت في ظل التوقعات التي تصب جميعها لصالح الرئيس.
كانت مكاتب الاقتراع قد أغلقت أبوابها في الساعة 19:00 بتوقيت غرينيتش بعد تمديد التصويت ساعة إضافية. وقد دُعي أكثر من 24 مليون جزائري للمشاركة في الانتخابات، حيث سجلت نسبة المشاركة عند الساعة الخامسة مساءً 26.46%، بانخفاض قدره سبع نقاط مقارنة بالساعة ذاتها في انتخابات 2019، حسبما أفادت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
تشهد الانتخابات الرئاسية الجزائرية، التي أوصلت تبون إلى الرئاسة في 2019، نسبة عزوف قياسية، حيث بلغت 60% في تلك الانتخابات. حصل تبون على 58% من الأصوات في ظل مظاهرات حراك شعبي واسعة طالبت بالديمقراطية ودعت العديد من الأحزاب إلى مقاطعة التصويت.
في يوم الاقتراع، كان المسنون، خاصة من الرجال، من أوائل الوافدين إلى مراكز الاقتراع، مثل سيد علي محمودي، تاجر يبلغ 65 عامًا، الذي جاء "باكرًا لأداء واجبه الانتخابي بكل ديمقراطية". بينما بدأت النساء في التصويت عند الظهيرة، مثل طاووس زايدي (66 عامًا) وليلى بلقرمي (42 عامًا)، اللتين أكدتتا أن تصويتهما يهدف إلى "تطوير البلد" و"المساهمة في الإصلاحات".
لكن يبدو أن الفائز في الانتخابات "معلوم مسبقًا"، وفقًا لتعليق أستاذ العلوم السياسية محمد هناد على فيسبوك، الذي أشار إلى أن هذا يأتي "بسبب نوعية المرشحين وقلة عددهم غير المعتاد، بالإضافة إلى ظروف الحملة الانتخابية التي بدت كمسلسل لإلهاء الناس".
يحظى الرئيس المنتهية ولايته بدعم الأحزاب المهيمنة في البرلمان، مثل جبهة التحرير الوطني والحزب الإسلامي حركة البناء، ما يعزز فرص إعادة انتخابه.
وفي تصريح له عقب التصويت في مركز أحمد عروة بالضاحية الغربية للعاصمة، لم يشر تبون إلى نسبة المشاركة بل أكد على أهمية إجراء الانتخابات "بكل ديمقراطية" وتأكيده على أهمية استكمال مسار التنمية الاقتصادية وبناء الديمقراطية.
تضمنت الانتخابات ثلاثة مرشحين رئيسيين، أبرزهم تبون (78 عامًا)، إلى جانب عبدالعالي حساني شريف، رئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية، ويوسف أوشيش، رئيس جبهة القوى الاشتراكية، وهو أقدم حزب معارض في الجزائر.
حاول المرشحون الثلاثة توجيه خطاباتهم أثناء الحملة الانتخابية نحو القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وتعهدوا بتحسين القدرة الشرائية وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد المفرط على قطاع الطاقة.
وفيما يخص السياسة الخارجية، اتفق جميع المرشحين على دعم القضية الفلسطينية والاحتفاظ بموقف الجزائر بشأن نزاع الصحراء الغربية. وتدعو جبهة البوليساريو إلى الانفصال، بينما يقترح المغرب حلاً ذاتيًا تحت سيادته، وهو ما يحظى بدعم دولي وإقليمي متزايد.
وعد تبون، مستندًا إلى حصيلة اجتماعية واقتصادية محسنة، بزيادة الأجور ومعاشات المتقاعدين وتعويضات البطالة، بالإضافة إلى بناء مليوني مسكن وزيادة الاستثمارات لخلق 400 ألف فرصة عمل، مع السعي لجعل الجزائر "ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا" بعد جنوب إفريقيا.
وفي ختام حملته الانتخابية، تعهد تبون بالاهتمام بالشباب، الذين يمثلون نصف سكان البلاد وثلث الناخبين. وأكد أنه يسعى لاستكمال تنفيذ مشروع "الجزائر الجديدة" رغم التحديات التي واجهت ولايته الأولى بسبب جائحة كوفيد-19. من جانبه، تعهد منافسوه بتقديم المزيد من الحريات، حيث تعهد يوسف أوشيش بالإفراج عن سجناء الرأي ومراجعة القوانين الجائرة، بينما دعا عبدالعالي حساني إلى استعادة الحريات التي تقلصت في السنوات الأخيرة.