السيدة خديجة بنت خويلد.. خير نساء الجنة
تعد خديجة بنت خويلد هي إحدى زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي من أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي، حيث كانت خديجة تجارية ثرية في مكة المكرمة، وقد كانت مشهورة بحكمتها ونزاهتها، و تزوجها النبي محمد وهو في عمر الخمس والأربعين، وكانت هي الزوجة الأولى له.
تميزت خديجة بنت خويلد بدعمها الكبير للنبي محمد ﷺ ودعمها له في بدايات الإسلام، وكانت من أوائل الناس الذين آمنوا به رغم المعارضة الشديدة التي واجهها النبي وأتباعه في تلك الفترة. كانت شخصية مؤثرة في نشر الإسلام ودعمه، وكانت تعتبر من الشخصيات المحبوبة والموثوق بها في المجتمع المكي.
هي أم القاسم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية أم المؤمنين، وأول امرأة تزوجها النبي ﷺ، وأول من آمن برسالة النبي ﷺ، فقد اعتنقت الإسلام في عشية نزول أول وحي على النبي ﷺ بإجماع المسلمين، لم يتقدمها رجل ولا امرأة، ولم يكن على وجه الأرض مؤمن غيرها، وصدقته قبل كل أحد، وثبتت جأشه، ومضت به إلى ابن عمها ورقة، وهي سيدة نساء المسلمين في زمانها، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة.
تزوجت خديجة بنت خويلد قبل النبي ﷺ أبي هالة بن زرارة التميمي، وبعده تزوجت عتيق المخزومي، وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال على مالها مضاربة، فلما بلغها عن رسول الله ﷺ ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج لها في مالها تاجرا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له: ميسرة فقبله رسول الله ﷺ منها، وخرج في مالها ذاك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى نزل الشام.
كانت أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- قد تزوّجت قبل زواجها بالنبي -عليه الصلاة والسلام- مرّتين، ولها من زوجيها أربعة أبناءٍ، تفصيل ذلك فيما يأتي: عُتيق بن عابد بن مخزوم: وأنجبت منه هند، و قد أدركت الاسلام وأسلمت، وتزوّجت، ولم يُذكر أنّها روت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-.
أبو هالة بن زرارة الأسيدي التميمي: وهو مالك بن النبّش، وأنجبت خديجة منه ابنها هند؛ الذي عُرف بروايته لحديث صفة النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، قال عنه أبو عمر: "كان فصيحاً بليغاً، وصف النبيّ -صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- فأحسن وأتقن"، وقد قُتل مع علي بن أبي طالب يوم موقعة الجمل، وأنجبت أيضاً هالة، وقد أدرك الاسلام وأسلم، وقال فيه ابن حبان: "هالة بن خديجة زوج النّبيّ -صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- له صحبةٌ"، وأنجبت الطاهر، وأسلم، وقد أرسله رسول الله إلى اليمن عاملاً.
وقد امتنعت خديجة -رضي الله عنها- عن استقبال الراغبيين بالزواج بها بعد وفاة زوجها الثاني، ورفضت جميع من تقدّم لخِطبتها، وكانت ذات جاهٍ، ومالٍ، وجمالٍ، سعى الكثير من رجال قريش وأشرافها لخِطبتها، وقدّموا في سبيل ذلك الأموال، إلّا أنّها رفضت الزواج من أحدٍ منهم، ثمّ أكرمها الله -عزّ وجلّ- بالزواج من مُحمدٍ -عليه الصلاة والسلام-، وكانت قد انشغلت بالتجارة، وتنمية أموالها؛ بأن تستأجر الرجال ليخرجوا عاملين بأموالها، وقد اشتُهر قومها بالتجارة إلى بلاد الشام واليمن صيفاً شتاءً، وقد وصفهم الله -تعالى- بقوله: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
وبعد هذا الزواج الميمون أنجبت خديجة -رضي الله عنها- زينب كبرى بنات النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ثم رقيَّة، ثم أمّ كلثوم، ثم فاطمة الزَّهراء، وولدت له من الأولاد القاسم وبه كان يُكنَّى، وعبد الله الذي كان يُلَقَّب بالطَّيِّب والطَّاهر، وقد ماتا صغاراً، ومن الجدير بالذِّكر أن جميع أولاد النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من خديجة إلا ولده إبراهيم فهو من جاريته مارية.
السيدة خديجة -رضي الله عنها-خير نساء الجنة، وقد قرن الله بينها وبين مريم بنت عمران في الخيريَّة، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (خَيرُ نِسائِها مَريمُ بِنتُ عِمرانَ ، و خيرُ نِسائِها خَديجةُ بِنتُ خُوَيْلِدٍ)، كما أنها واحدةٌ من النساء الأربع (مريم بنت عمران، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد) اللواتي بوَّأهُنَّ الله بأرفع المنازل.
كانت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد نعم السندُ والعون للنبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تبشره بأن الله عز وجل سينصره، وتهوِّن عليه عندما يعود من دعوة قومه متعبًا مرهقًا، وهم يصدونه عن الحق، فقدمت الدعم النفسي والمادي للنبي صلى الله عليه وسلم، هذه المرأة العاقلة لم تتزعزع ثقتها برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بدعوته، التي كانت سببًا لحقد بعض أهله عليه، وإيذائهما في تطليق بناتهما، بل كان عاقبة صبرها ودعائها أن أبدلهما الله بأزواجٍ أكثر خُلُقًا وغِنًى، ولا ننسَ رضاءها واحتسابها وثباتها في محنة الحصار، ودعمها المستمر للإسلام والمسلمين بمالها وأموال أقاربها، فكانت فَرَجًا من الله للنبي صلى الله عليه وسلم وسكنًا له.
روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال: ((أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، أو طعام أو شراب، فإذا هي أتَتْكَ فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشِّرها ببيتٍ في الجنة من قصبٍ، لا صخب فيه، ولا نصب))، فكان السلام عليها من الله عز وجل منزلة لها تميَّزت بها عن غيرها من نساء العالمين، كما جاءتها البشارة بمنزلها في الجنة من بيت قصبٍ لا صخب فيه ولا نصب.