اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

الإسلام في الكاميرون.. تأثير الفولاني على الدعوة والتجارة

شعب الفولاني
شعب الفولاني

لعب الفولاني دورًا هامًا في نشر الإسلام في الكاميرون، وذلك من خلال هجراتهم وتجارتهم ونشاطهم الدعوي، حيثهاجر بعض الفولاني إلى الكاميرون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، واستقروا في مناطق الشمال الغربي للبلاد، فيما حدثت هجرات فولانية لاحقة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وذلك بسبب الحروب والظروف الاقتصادية في بلدانهم الأصلية.

كان الفولاني من التجار النشطين في الكاميرون، حيث كانوا يتاجرون بالسلع المختلفة مثل الماشية والمنتجات الزراعية والحرف اليدوية، ساهم الفولاني في نشر الإسلام من خلال تفاعلهم مع السكان المحليين خلال رحلاتهم التجارية، وأرسل الفولاني العديد من العلماء والدعاة إلى الكاميرون لنشر الإسلام وتعليم الناس الدين الإسلامي، وأسس الفولاني العديد من المساجد والمدارس في الكاميرون، والتي لعبت دورًا هامًا في نشر الإسلام وتعليم المسلمين.

أدت جهود الفولاني إلى ازدياد عدد المسلمين في الكاميرون بشكل كبير، وتأثرت ثقافة الكاميرون بشكل كبير بثقافة الفولاني، خاصةً في مجالات اللغة واللباس والموسيقى، وساهم الفولاني في تنوع الإسلام في الكاميرون، حيث جلبوا معهم تقاليدهم ومعتقداتهم الدينية.

تم تأثير الفولاني بشكل كبير في نشر الإسلام في الكاميرون، حيث لعبوا دوراً رئيسياً في تبني الدين الإسلامي ونشره بين السكان المحليين. يعود تاريخ وصول الفولاني إلى المنطقة إلى القرن الـ19، حيث قاموا بتأسيس مجتمعات إسلامية وتعزيز الإيمان الإسلامي من خلال الدعوة والتعليم.

تعتبر قبيلة الفولاني من الشعوب المميزة بقارة إفريقيا خلال القرن التاسع عشر، حيث قاموا بتنقية الإسلام مـن الشوائب بغرب إفريقيا، إذ يضُمون أعداد كبيرة من العلماء المختصين بالقرآن الكريم والشريعة الإسلامية، عُرفوا بتمسكهم الشديد بالقرآن الكريم، وهم من أكبر الألغاز في غرب إفريقيا. ويُعد قيام دولتهم بغرب إفريقيا على تلك الأسس والركائز أول تجربة إسلامية في المنطقة، أعطت مفهوماً وتطبيقاً إسلامياً لدولة إسلامية صححت الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الإسلام وقضت على شبح الوثنية بالمنطقة.

تقع الكاميرون على ساحل غرب إفريقيا، وقد وصل إليها الإسلام في القرن السابعَ عَشَرَ، ونسبة المسلمين إلى عموم السكان تتراوح بين 25 إلى 30 بالمائة، وتبلغ نسبة النصارى بها حوالي 30%، وينتمي واحد من كل ثلاثة أشخاص للأديان المحلية الإفريقية.

أما تقسيم البلاد من حيث التوزيع الديني، فتنقسم البلاد إلى منطقتين دينيتين: الشمال يسيطر عليه المسلمون، والمناطق الجنوبية والغربية يسيطر عليها النصارى.

بدأت أسلمة المنطقة من قِبل الشعب الفولاني، وهي قبيلة مسلمة مهاجرة استقرَّت في الأجزاء الشمالية من الكاميرون منذ القرن السابعَ عَشَرَ وبعدَه، وقد قدِم مع الفولانيين - الذين يعملون بالتجارة – بعضُ الدُّعاة؛ مما أدَّى إلى وجود جالية إسلامية كبيرة، وأصبح الإسلام أكثرَ شيوعًا وانتشارًا بين قبائل (الفولاني) و (البيول) و (البامون) في الشمال والغرب.

ومنذ المراحل الأولى لانتشار الإسلام في المنطقة، نشط المسلمون سياسيًّا، وأنشؤوا سَلطَنات محلِّية حكموا فيها عدَّة ولايات - مثل: سلطنة (كانيم) وسلطنة (بورنو) شمال الكاميرون - عقودًا من القرن التاسعَ عَشَرَ، واستمرَّت هذه السلطنات حتى هجم الاحتلال والاستعمار على المنطقة، وبَقِيت المناطق الشمالية من الكاميرون تحت حكم إمارة (أداماو)، التي كانت خاضعةً لخلافة (سوكوتو)، التي أُنشئت في شمال نيجيريا عام 1804م، وفي عام 1884م، فكَّك الألمان القوَّة السياسية للمسلمين بوضعهم تحت الضغوط الاستعمارية لتعزيز سلطتهم.

فمِثل كل القوى الاستعمارية، بدأ الألمان بجسِّ نبض المسلمين، هل سيتوافقون مع مصالح المحتل ويكونون في خدمة مصالحه؟ فلمَّا لم يجدوا الأقلية المسلمة يتصرفون وَفْقًا لمصالح المحتلِّين، أخذوا يضيّقون عليهم الأرض والمعيشة، حيث انتشر المنصِّرون الأوروبيون في جميع أنحاء البلاد، وبدؤوا بإضفاء الصبغة النصرانية على الناس، وحينها بدأ المسلمون يواجهونهم بالمقاومة؛ مثل أن امتنع المسلون عن ذهاب أولادهم إلى المدارس الاستعمارية، حتى تطوَّر الأمر إلى العصيان المدنيِّ.

وفي عام 1893م تم الاتفاق الإنجليزي الألماني لتفتيت قوة المسلمين وتقسيمهم، فتمَّ تقسيم شعوب الهاوسا والفولاني إلى جزأين بموجب هذا الاتفاق، لتبقى بعض هذه المجتمعات في شمال نيجيريا، والقسم الآخر في شمال الكاميرون، وكان على المسلمين المعارضين لهذا الانقسام أن يقاوموا ويحاربوا الألمان والإنجليز معًا.

وكانت الأخوَّة الدينية هي السبب الرئيسَ للشعور بأثر أي مشكلة تواجهها نيجيريا على المحور الإسلامي النصراني في الكاميرون.

لم يستمرَّ الوجود الألماني في الكاميرون؛ فقد غزا الفَرنسيون والبريطانيون الكاميرون أثناء الحرب العالمية الأولى، وتشاركوا الكاميرون مع الألمان، فقد سقط أكثر من ثلاثة أرباع البلاد بيد الفرنسيين.

وسارت سياسة الاحتلال الفَرنسي على خطى شبيهه الاحتلال الألماني، بإبقاء المسلمين تحت السيطرة الدائمة، بالسياسة أحيانًا، وبالقوَّة أحيانًا أخرى، وفي هذا الإطار غضُّوا الطرف عن بعض المجموعات التي لا تضرُّ بمصالحهم الاستعمارية؛ مثل بعض الحركات الطلابية والثقافية؛ حتى إنَّ بعضها كان يعمل تحت سيطرتهم وإشرافهم.

وبفضل التطوُّر الحضاري، وخدمات الاتصال والتنقُّل التي بدأت في ظلِّ الاستعمار، بدأت فترة يسافر فيها المدنيون والتجَّار بسهولة في إفريقيا؛ فكان لهذا التغيير تأثيرٌ كبير من جهة تسريع التواصل بين شعوب (البانتو) من ناحية، ومن ناحية أخرى زادت الأنشطة الإسلامية، وزاد معها عدد المسلمين.

ثم توحَّدت المنطقة المسمَّاة بـ (الكاميرون الفرنسية)، وانضمَّت إلى جمهورية الكاميرون المستقَّلة، الخاضعة للوصاية البريطانية في عام 1960م، وتمَّ ترك جزء من الكاميرون البريطانية لنيجيريا، وهي الخاضعة أيضًا للاستعمار الإنجليزي، ومُنِع المسلمون من تشكيل أغلبية على كلا الجانبين.

وبعد الاستقلال أدَّى تطبيق السياسة العلمانية الصارمة إلى عزل الأقلية المسلمة وتهميشها؛ لأنها تتألَّف من مجموعات عِرقية مختلفة.

وفي عام 1963م، سمحت الدولة للمسلمين بتأسيس أول جمعية رسمية لهم، وهي (جمعية الكاميرون الثقافية الإسلامية)، وقد فقدت هذه الجمعية - التي كانت الصوتَ الوحيد للمسلمين لسنوات عديدة – شعبيَّتها؛ بسبب ظهور مجموعات أخرى تأسَّست في ظروف سياسية أكثرَ حريةً وديمقراطية عام 1992م.

وبسبب محدودية الموارد المالية للدولة؛ قامت الأقلية المسلمة ببناء مدارسها ومستشفياتها وهياكل المجتمع الديني الخاصة بها بمساعدات مادية خارجية من الدول العربية، وخاصةً ليبيا ودول الخليج.

وكان للطلاب المسلمين الذين أُرِسلوا إلى الخارج دور كبير وإيجابي على وضع المسلمين بالبلاد، وتعزيز وتقوية العلاقات بين الشعوب؛ حيث ازداد عدد المتعلِّمين والمثقفين المسلمين في البلاد، إضافة إلى أن الطلاب الذين ذهبوا للتعلم والدراسة في البلدان العربية عادوا إلى البلاد ومعهم الوعي الإسلامي والعلم والثقافة الإسلامية، واعتبرَت الدولة هؤلاء تهديدًا لها؛ بسبب مطالبهم السياسية، ورؤيتهم الاجتماعية، فأجبر هذا الوضعُ الجيلَ الجديد المتعلِّم على خلق اتِّجاه أكثرَ مدنيةً، من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية جديدة.