اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

بعد اجهاض الولايات المتحدة لحلم الدولة الفلسطينية: تحليل لدوافع الفيتو الأمريكي

يشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منعطفًا جديدًا مع استخدام الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن لمنع مشروع قرار يوصي بقبول دولة فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة.

يأتي هذا القرار ليعيد الجهود الدولية للتوصل إلى حل الدولتين إلى نقطة الصفر، ويثير تساؤلات حول جدية الولايات المتحدة في دعم هذا الحل، خاصةً في ظل تصريحات متضاربة من مسؤوليها.

في هذا التحليل، سنبحث في دوافع الفيتو الأمريكي، ونناقش مختلف وجهات النظر حول مستقبل حل الدولتين، ونستعرض ردود الفعل الفلسطينية والإسرائيلية على القرار.

أبرز النقاط:

الفيتو الأمريكي: رفضت الولايات المتحدة مشروع القرار بدعوى أن إقامة دولة فلسطينية يجب أن تتم عبر مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، لا من خلال قرار أممي.

انقسام دولي: حظي مشروع القرار بتأييد 12 دولة من أعضاء مجلس الأمن، بينما امتنعت كل من المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت.

موقف إسرائيل: رحبت إسرائيل بقرار الفيتو، معتبرةً أنه يمنع "مكافأة الإرهاب".

إدانة فلسطينية: أدانت السلطة الفلسطينية والعديد من الفصائل الفلسطينية القرار الأمريكي، واعتبرته انحيازًا لإسرائيل.

مستقبل حل الدولتين: يثير القرار شكوكًا حول جدية الولايات المتحدة في دعم حل الدولتين، بينما يرى البعض أنه لا يزال الخيار الوحيد للسلام.

عقبات أمام السلام: تشمل هذه العقبات استمرار الاستيطان الإسرائيلي، ورفض إسرائيل الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة، انقسام الفلسطينيين.

ماذا حدث ليلة الجمعة؟

مشروع القرار الذي أفشلته إدارة بايدن ليلة الجمعة الاخيرة، وافقت عليه الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن والبالغ عددها 15 دولة، بما في ذلك دول حليفة للولايات المتحدة مثل فرنسا وكوريا الجنوبية واليابان، إذ صوتت 12 دولة بالموافقة، فيما امتنعت كل من المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت.

لدى الولايات المتحدة مبرراتها في رفض تمرير القرار، إذ قال نائب السفير الأمريكي روبرت وود إن الفيتو الأمريكي "لا يعكس معارضةً للدولة الفلسطينية، لكنه اعتراف بأنه لا يمكن أن تنشأ دولة فلسطينية إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الجانبين (الفلسطينيين وإسرائيل)".

وبين من يجد أن الولايات المتحدة ترغب بالتوصل لحل الدولتين ومن يرى نقيض ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس خطار أبو دياب، إن الحديث عن دولة فلسطينية، أو حل الدولتين بدأ بشكل خاص منذ اتفاقية أوسلو، التي نصت على ما هو أكبر من كيان وأقل من دولة، لكنها نصت أيضاً على خطوات انتقالية "الكل يعلم أن هذا المسار الذي كانت الولايات المتحدة تشرف عليه، لم يصل إلى نتيجة لأن الولايات المتحدة كانت منحازة لإسرائيل"، بحسبه.

في حين تقول الدبلوماسية الأمريكية التي تترأس مجلس سياسة الشرق الأوسط جينا وينستانلي إن بلادها "تؤيد بشدة حل الدولتين".

منذ بدء حرب غزة في السابع من أكتوبر الماضي، تحدث مسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مراراً عن ضرورة المضي قدماً في حل الدولتين كسبيل للوصول إلى السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وتبرر واشنطن الحليف الأبرز لإسرائيل، على لسان مسؤوليها عدم موافقتها على عضوية كاملة للدولة الفلسطينية دون موافقة إسرائيل بأن ذلك يجب أن يحدث "من خلال الدبلوماسية وليس من خلال الفرض"، وفق ما صرح وزير خارجيتها أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي بعد اجتماع لمجموعة السبع في كابري الإيطالية.

وقال بلينكن "نحن مستمرون في دعم الدولة الفلسطينية بضمان أمن إسرائيل"، لافتاً أيضاً إلى أنه بموجب القوانين الأمريكية فإن أي اعتراف من قبل الأمم المتحدة بعضوية كاملة لفلسطين يعني "قطع كل إمداداتنا لمؤسسات الأمم المتحدة وهذا سيضر حتى بالفلسطينيين"، حسب قوله.

وقالت وينستانلي إن الولايات المتحدة قاومت باستمرار أن تصبح "فلسطين عضواً كامل العضوية دون أن يكون هيكل الدولة واضحاً، وبموافقة إسرائيل".

ويوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس خطار أبو دياب أن العقدة الأساسية هي انتزاع موافقة إسرائيل، إذ أنه منذ "اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين سقط حلم السلام بشكل أو بآخر، والبيئة السياسية الإسرائيلية تزداد تشدداً".

أما فيما يتعلق بالبيئة السياسية للفلسطينيين يقول أبو دياب، إن هناك مشكلة أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة، التي تريد أن يكون من ينتقل نحو الدولة مسيطراً على الأرض، وممارساً للسلطة بشكل فعلي.

هناك مشكلة الاستيطان، والجدار العازل الذي أنشأته إسرائيل في الضفة الغربية، وعدم وحدة الصف الفلسطيني "بالطبع سيبقى هناك مشاكل الحدود والاستيطان وتحديد مدى الدولة، لكن هذه هي العقد التي تتخذها الولايات المتحدة كنوع من التبرير لموقفها المنحاز لإسرائيل"، يضيف خطار.

ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس المقترح الذي قدمته دولة الجزائر بـ "المخجل"، وقال إن "الاقتراح المخجل رُفض، ولن يكافأ الإرهاب".

وشكر السفير الإسرائيلي جلعاد إردان، الرئيس الأمريكي جو بايدن على ما سماه بالوقوف "إلى جانب الحقيقة والأخلاق في مواجهة النفاق والسياسة" في استخدام الفيتو ضد مشروع القرار. واعتبر أن التصويت لصالح القرار"لن يؤدي سوى لتشجيع الرفض الفلسطيني "للحلول"، ويجعل السلام شبه مستحيل".

كما صرح نتنياهو في وقت سابق بأن "اتفاقية أوسلو كانت خطأ فادحاً يجب ألا يتكرر"، واعتبر أن منح الفلسطينيين سيادة كاملة فيه تهديد لحياة الإسرائيليين.

في المقابل أدانت السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس القرار الأمريكي وقالت في بيان صدر عنها إن الفيتو الأمريكي "غير نزيه وغير أخلاقي وغير مبرر، ويتحدى إرادة المجتمع الدولي الذي يؤيد بقوة حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة…".

وأضاف البيان أن "هذه السياسة الأمريكية العدوانية تجاه فلسطين وشعبها وحقوقها المشروعة تمثل عدواناً صارخاً على القانون الدولي، وتشجّع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وتزيد في دفع المنطقة إلى شفا الهاوية، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين ومواصلة سياسات العدوان وجرائم الحرب التي تتم برعاية ودعم الولايات المتحدة الأمريكية".

ويرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش أن "الفشل في إحراز تقدم صوب حل الدولتين يزيد من التقلبات والمخاطر أمام مئات الملايين في أنحاء المنطقة، إذ سيواصلون العيش تحت تهديد مستمر بالعنف".

ورغم القرار الأممي 242، الذي يقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، فإنه لم يحصل الفلسطينيون على دولة كاملة السيادة على هذه الأراضي حتى اليوم، فيما يلفت خطار إلى الخلاف الناجم عن دقة صياغة القرار بلغات مختلفة، والتي جعلت إسرائيل تجادل بمسألة الإشارة إلى الأراضي، إن "كانت كل الأراضي أم جزءا منها".

وكانت امريكا قد استخدمت حق الفيتو ضد ضم فلسطين للأمم المتحدة كدولة عضو لأسباب تعتبرها اولا القضاء علي حماس إذ تعتبرها منظمة إرهابية ، ثانيا خشية أن تتعرض الاتفاقيات بينها وبين فلسطين كأن لم تكن إذ تم الاعتراف بدولة فلسطين، ثالثا إذ تعتبر أن حماية إسراىيل مسؤوليتها، خامسا لمعركتها مع إيران وحزب الله.

في الختام: يبقى مصير حل الدولتين غامضًا، مع استمرار الانقسام الدولي حول كيفية تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يضع الفيتو الأمريكي عبئًا على عاتق المجتمع الدولي للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لإعادة إحياء عملية السلام على أساس حل الدولتين.