اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

العداء للإسلام صناعة صهيونية غربية

‏قبل شهر من الآن أقامت الداخلية الألمانية مؤتمرًا لمناهضة "كراهية الإسلام"، وقف كريستيان فولف، الرئيس الألماني السابق، وقال: "لسنا في المدينة المنورة في القرن السابع، لا يمكنكم قتل اليهود وتهجيرهم كما فعل محمد".

غابت كل الاتحادات الإسلامية عن المؤتمر، ودافعت وزيرة الداخلية في كلمتها المطولة عن إسرائيل. قالت مرارًا إن ما يبديه المسلمون من التسامح تجاه اليهود (كمواقف أو زيارات للكنس اليهودية) لا يكفي، وإنها تتمنى سماع تسامح مع إسرائيل في خطب الجمعة.

استمر المؤتمر ليومين، ولم يطرأ أي تغيير على عنوانه: مناهضة كراهية الإسلام.

أحدهم أخبر كريستيان فولف عن "هولوكوست" بني قريظة، عن القبيلة اليهودية التي جمع النبي محمد 900 من رجالها في منزل امرأة من بني النجار لحين فراغه من حفر الخندق. ثم أخرجهم واحدًا تلو الآخر، وأخذ يقطع رؤوسهم حتى أتى على القبيلة بأكملها.
قصة على مقاس الهولوكوست، من ذلك النوع الذي يسارع المجتمع اليهودي إلى تدوينه وتسويقه ثم البكاء حوله.

لم يسأل أحد نفسه على مر التاريخ كيف اتسع منزل واحد، من منازل ذلك الزمان، لـ900 رجل! ولا كيف قبلت كتب التاريخ رواية مذبحة الأسرى تلك بمخالفة صادمة للرواية القرآنية للمعركة نفسها، أعني ما سجلته سورة محمد عن معركة كلاسيكية خسرها بنو قريظة، وسقطوا بين قتيل وأسير!

صارت مذبحة غزة إلى محاولة لقتل اليهود وتهجيرهم! كما ترى عينا رئيس ألمانيا السابق. أمكن تغيير طبيعة الحكاية، أما إسرائيل فتخوض مناورة عسكرية مشروعة دفاعًا عن وجودها. لا يزال السياسي الغربي يتبجح بالقول: "لا تسامح مع قتل الأطفال واغتصاب التساء" رغم سقوط الأكذوبة!

هل قامت إسرائيل بحرب إبادة بشرية؟
تعرف الأمم المتحدة جرائم الإبادة البشرية، بوصفها أعلى أنواع الجرائم، تضرب أمثلة كثيرة لحالات يمكن أن تعد جرائم إبادة إن توفر لها القصد الجنائي/ نية التطهير.

انقسم المجتمع القانوني إلى فريقين، من يرى أن أفعال إسرائيل جرائم إبادة، ومن يرى غير ذلك بسبب غياب القصد/ نية التطهير. فإسرائيل تقاتل حماس، ولا تنوي المساس بالمدنيين. الجريمة الإسرائيلية غير المسبوقة صارت إلى موضوع للنقاش الأكاديمي، وعلى المستوى السياسي انتقل الحديث إلى اليوم التالي للحرب، كأن أيادي الساسة امتلأت بالنصر. وفي غزة يختفي العشرات من مراكز الإيواء ويعودون أنصاف جثث وجلودًا بلا أعضاء، كما تفيد بيانات وزارة الصحة. ويقاتل الفلسطيني غير عابئ بتصنيفه إلى ملاك أو شيطان.

الحرب ليست المعركة، فتحت غزة صندوق باندورا فطارت العفاريت وسكنت العالم.

لنأخذ مثالًا: الصراع الذي تخوضه جامعة هارفارد في سبيل استقلالها وانحيازًا لتعريفها لحرية التعبير. انقسم الناس حول هارفارد إلى مساند وخصم، وفي الأيام الماضية انضم أوباما إلى جانب هارفارد في صراعها من أجل حرية التعبير، واستقلال الفضاء الأكاديمي عن الإرادة السياسية. توصف المعركة إعلاميًّا بـ"الحرب الثقافية" التي اندلعت في أمريكا. برزت هارفارد إلى الوجود قبل أمريكا بقرن ونصف القرن، ويبدو أنها قادرة على الصمود في وجه العاصفة الصهيونية ومقلاع "معاداة السامية".

من المصادفات الحسنة أن رئيسة الجامعة، السيدة غاي، امرأة سوداء، وهي أول امرأة سوداء تتولى ذلك المنصب في تاريخ الجامعة. الهجوم على هارفارد خرج على السياق إلى العنصرية الصريحة ضد السود، كما نقرأ في تدوينات رجل الأعمال اليهودي أكمان، وآخرين.

أُشعلت غزة الحرب فصارت الحرب إلى معركة واسعة، قانونية فلسفية أخلاقية سياسية أمنية وحتى أكاديمية؛ فقد زعم منظمة "العلم في الخارج" الإسرائيلية أن هناك رفضًا متزايدًا للأوراق العلمية الطالعة من إسرائيل.

احتفظ السياسي الغربي برؤيته للصراع، كما لو أنه سقط رهينة قوى تمنع عنه النور؛ إذ ترى سياسيًّا ألمانيًّا مرموقًا مثل كيسفيتر يقرر على منصة حوارية: أقبل سلوكًا عسكريًّا على مستوى قتل 30 مدنيًا من أجل الوصول إلى شخص واحد من حماس. على يوتيوب تنفجر التعليقات الغاضبة باللغة الألمانية متسائلة عن القانون الذي يسمح بمثل هذا الخطاب.

غزة معركة وليست حربًا، معركة عالمين: الخير والشر. الظن بأن سحق التيارات المقاومة هناك سينهي المسألة الفلسطينية هو فخ وقعت فيه الصهيونية عشرات المرات خلال قرن من الزمن. في عرضها لنشوء حركة حماس لاحظت دير شبيغل أن الحركة الإسلامية التقطت السلاح حين قرر العلمانيون الفلسطينيون وضع أسلحتهم، وأن القضية الفلسطينية تدخل من طور إلى آخر، وهكذا.

غزة معركة في صلب العالم الحديث، داخل العولمة، في صلب النظام السياسي العالمي، في صميم النظام الدولي، تتحدى فكرتي العدالة والديموقراطية، غزة زعزعت اليقين الإسرائيلي بأبدية دولته وهزت يقين المواطن العالمي بمدونة القيم الغربية. غزة ليست وحسب جرحًا لإنسانية الحضارة، بل فاصلة تاريخية كبرى.
د. مروان الغفوري