اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

واشنطن وطهران.. هل يعيد التاريخ نفسه؟ من مصدق إلى خامنئي: ذاكرة الانقلابات وتوازن المصالح

إيران
إيران

في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، يطرح السؤال نفسه بإلحاح: هل نحن على أعتاب لحظة فارقة قد تشهد تغيّر النظام الحاكم في طهران؟ وهل دخول أمريكا المباشر في الحرب قد يعني نهاية حكم "الآيات" وبداية عهد جديد؟
هذا الاحتمال لا يبدو بعيدًا، لا سيما في الوعي الجمعي الإيراني، المشحون بتجربة سابقة مؤلمة لا تزال حية في الذاكرة، حين تدخلت واشنطن مباشرة في الإطاحة بحكم ديمقراطي منتخب.


على بعد آلاف الكيلومترات من طهران، وتحديدًا في حي الدقي بالقاهرة، يقع شارع يحمل اسم "مصدق". لا يعرف كثيرون من هو مصدق، لكن اسمه محفور بعمق في الذاكرة السياسية الإيرانية بوصفه رمزًا لفرصة ديمقراطية أُجهضت بتدخل خارجي.

المصالح الغربية


كان محمد مصدق رئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيًا، وقد تصادم مع المصالح الغربية حين قرر تأميم حقول النفط الإيرانية عام 1951، في خطوة جريئة اعتُبرت حينها ضربة قاصمة لبريطانيا والولايات المتحدة، اللتين كانتا تعتمدان بشكل كبير على نفط الشرق الأوسط.
ومع تصاعد التوتر في ذروة الحرب الباردة، رُوّج لهذا التأميم باعتباره انتصارًا محتملاً للاتحاد السوفيتي، في خضم معركة النفوذ العالمي. لم تنتظر واشنطن طويلًا، وقررت بالتعاون مع جهاز المخابرات البريطانية (SIS) إسقاط مصدق في انقلاب عسكري منظم عام 1953، عُرف باسم عملية "أجاكس".


لعبت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية دورًا محوريًا في هذا الانقلاب، حيث ساعدت في تنظيم احتجاجات مزيفة وحشد القوات الموالية للشاه محمد رضا بهلوي. وفي غضون يومين من تعيين الجنرال فضل الله زاهدي رئيسًا جديدًا للوزراء، قدمت المخابرات الأمريكية دعمًا ماليًا سريًا له بلغ 5 ملايين دولار، بحسب ما كشفت عنه وثائق رفعت عنها السرية عام 2013، ونشرتها شبكة CNN. وقد أقر الرئيس باراك أوباما لاحقًا، خلال ولايته، بتورط الولايات المتحدة في هذا الانقلاب، في خطوة نادرة للاعتراف بالتاريخ الأسود للتدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لدول أخرى.


لكن ما كسبته أمريكا سياسيًا في حينه، خسرته على المدى الطويل في قلوب الإيرانيين. فقد ولّد إسقاط مصدق موجة غضب شعبي عارمة، غذّت مشاعر العداء لأمريكا، ورسّخت قناعة بأن واشنطن لا تدعم الديمقراطيات، بل تحرس مصالحها فقط.

الثورة الإيرانية


تحوّل الشاه إلى حليف استراتيجي للولايات المتحدة، لكنه لم يتمكن من إسكات صوت الشارع الإيراني. وبحلول أواخر السبعينيات، خرجت جموع غفيرة من الإيرانيين — علمانيين وإسلاميين — للمطالبة برحيله، واعتبروا نظامه فاسدًا ومستبدًا. كان السقوط مدويًا: فقد أُطيح بالشاه في ثورة عام 1979، التي أنهت الحكم الملكي المدعوم من الغرب، ومهّدت لولادة الجمهورية الإسلامية تحت حكم رجال الدين.


اليوم، ومع تصاعد الحديث عن مواجهة مباشرة وشيكة بين واشنطن وطهران، تعود تلك الأحداث لتطفو على السطح، وتُغذّي فرضية أن تغيير النظام الحاكم في إيران ليس مستبعدًا إذا اندلعت حرب شاملة، حتى لو كان الثمن باهظًا.


لكن الأهم من السؤال عن "إمكانية" التغيير، هو السؤال عن "شكل" المستقبل بعد التغيير. فهل ستُكرر الولايات المتحدة سيناريو مصدق-الشاه-الثورة؟ أم أن الإيرانيين تعلموا من الدرس القديم وتهيأوا لمنع تكرار التاريخ؟ وهل سيتحوّل أي تدخل عسكري أمريكي إلى شرارة لثورة جديدة، أم إلى فوضى تفتح الباب لسيناريوهات أكثر تعقيدًا مما شهده القرن الماضي؟ الجواب لا يزال معلقًا بين دهاليز الاستخبارات، وأنفاس التاريخ.