الحرب السودانية.. «الدعم السريع» تهاجم بابنوسة وتسيطر على بلدة قرب «المثلث الحدودي»

* التوتر يسود مدينة الفاشر وسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين
احتدمت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" على محاور القتال المختلفة، إذ شنت الأخيرة هجوماً عنيفاً على مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان التي يسيطر عليها الجيش مستخدمة مختلف أنواع الأسلحة، إلى جانب الطيران المسير، كما سيطرت "الدعم السريع" على منطقة كرب التوم الاستراتيجية الواقعة قرب "المثلث الحدودي" بين السودان وليبيا ومصر، مما يعد تطوراً عسكرياً مهماً في سياق الصراع الدائر في البلاد منذ أكثر من عامين.
وبحسب مصادر عسكرية فإن معارك ضارية اندلعت بين الطرفين في الأجزاء الشمالية والشرقية من مدينة بابنوسة التي تحتضن الفرقة 22 - مشاة التابعة للجيش، حيث قصفت مسيرات تابعة لـ"الدعم السريع" بصورة عنيفة مقر قيادة الجيش، فيما تدخلت مسيرات الأخير (الجيش) واستهدفت تجمعات القوات المهاجمة في أنحاء متفرقة من البلدة.
وأشارت المصادر إلى أن "الدعم السريع" حشدت، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أعداداً كبيرة من المسلحين، بعضهم وصل من إقليم دارفور. وبثت منصات تابعة لـ"الدعم السريع" مقاطع فيديو أظهرت انتشار جنودها في عدد من أحياء بابنوسة وبعض المقار الحكومية في المنطقة، من بينها رئاسة شرطة السكة الحديد.
وفي يناير 2024 شنت "الدعم السريع" هجمات عنيفة على بابنوسة، لكن الجيش تمكن من صد الهجمات التي استمرت نحو أسبوع، ومنذ ذلك الوقت، توقفت المواجهات البرية بين الطرفين بعد انسحاب "الدعم السريع" وتمركزها في مدن مجاورة كالمجلد والفولة عاصمة ولاية غرب كردفان. وتسيطر هذه القوات أيضاً على معظم مناطق غرب كردفان، بما في ذلك عاصمة الولاية الفولة، ومدن المجلد والميرم ولقاوة والخوي والنهود وود بندة، بينما يسيطر الجيش على بابنوسة وبعض حقول النفط في منطقة هجليج.
محور المثلث
وفي تطور جديد أعلنت "الدعم السريع" أمس سيطرتها على منطقة جبال كرب التوم، ونشرت على منصة "تيليجرام" تسجيلاً مصوراً يظهر لحظة اقتحام جنودها معسكر كرب التوم، واستيلائها على ذخائر ومركبات عسكرية وعتاد حربي من الجيش السوداني. وقال شهود إنها سيطرت على المنطقة عقب انسحاب القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش إلى منطقة جبل عطرون التي تسيطر عليها منذ مايو الماضي.
وتقع منطقة كرب التوم شمال غربي ولاية شمال دارفور في عمق الصحراء وعلى تخوم الولاية الشمالية، حيث تبعد 500 كيلومتر عن مدينة دنقلا. وتعد المنطقة نقطة وصل استراتيجية بين إقليم دارفور وشمال السودان، كما تشكل منفذاً برياً مهماً باتجاه ليبيا ومصر.
وتأتي هذه السيطرة بعد أسبوع واحد من إعلان "الدعم السريع" سيطرتها على "المثلث الحدودي" الرابط بين السودان وليبيا ومصر، عقب انسحاب الجيش من المنطقة في إطار ما وصفه بإعادة الترتيب لمواجهة العدوان.
إلى ذلك أشارت "شبكة أطباء السودان" إلى أن النازحين في منطقة "المثلث الحدودي" يعيشون أوضاعاً مأسوية في أعقاب سيطرة "الدعم السريع" عليها، مما أدى إلى موجة نزوح واسعة إلى الولاية الشمالية. ووفقاً للشبكة، فإن 1986 نازحاً، بينهم 156 طفلاً، فروا من منطقة المثلث باتجاه مدن وقرى بالولاية الشمالية.
محور دارفور
أما في محور دارفور فقد ساد التوتر مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث كثفت "الدعم السريع" تحليق طيرانها المسير في سماء المدينة لليوم الثاني على التوالي، فضلاً عن القصف المدفعي العشوائي الذي استهدف الأحياء السكنية، مما أوقع عدداً من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
وبحسب مصادر محلية، فإن عدد ضحايا قصف مسيرات "الدعم السريع" مركز إيواء للنازحين بمدينة الفاشر الأحد الماضي ارتفع إلى 18 قتيلاً وعشرات المصابين، بينهم خمسة أطفال وسبع نساء، وأحدث القصف دماراً هائلاً طال الغرف التي كان يقطنها النازحون، كما أدى إلى تدمير الأكواخ المبنية من المواد المحلية.
وكانت مسيرة استراتيجية تتبع لـ"الدعم السريع" أغارت على مركز إيواء يضم ما يزيد على 1000 نازح، معظمهم فارون من مخيم زمزم جنوب غربي الفاشر، مما أوقع خسائر فادحة في الأرواح. وتسعى "الدعم السريع" إلى السيطرة على الفاشر كآخر معاقل السلطة المركزية في الإقليم، حيث تقود باستمرار مواجهات عنيفة، لكن الجيش وحلفاءه من الحركات المسلحة ظلوا يتصدون لتلك الهجمات.
كادوقلي تستغيث
في الأثناء تعيش مدينة كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان أوضاعاً إنسانية وصحية متدهورة بسبب الحصار المفروض عليها منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023، مما أدى إلى تفاقم الأزمة المعيشية والصحية بصورة خطرة. وبحسب مواطنين فإن الأوضاع المعيشية في المدينة بلغت مستويات حرجة، في ظل النقص الحاد في السلع الأساسية والدواء، وشح كبير في السيولة النقدية، فضلاً عن انقطاع شبه كامل للخدمات الحيوية كالكهرباء والمياه والاتصالات. وتشهد المستشفيات نقصاً شبه كامل في الأدوية المنقذة للحياة، والمحاليل الوريدية والأوكسجين، مما تسبب في ارتفاع ملحوظ في عدد الوفيات خلال الأشهر الماضية.
وأشار المواطنون إلى أن سيطرة "الدعم السريع" على مدينة الدبيبات، التي تعد البوابة الشمالية الرئيسة للولاية عطلت بصورة كاملة حركة الإمدادات من السلع الأساسية والأدوية إلى مدينتي الدلنج وكادوقلي، كما أدى انقطاع الطريق الرابط بين كادوقلي وسوق النعام الحدودية مع جنوب السودان إلى عزلها تماماً، ومنع وصول أي دعم غذائي أو طبي منذ أبريل.
قتل تعسفي
من جانبه أكد المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك أن عمليات القتل التعسفي للمدنيين السودانيين زادت إلى ثلاثة أضعاف خلال الفترة بين فبراير وأبريل، وذلك بسبب الإعدامات الموجزة التي نفذها الجيش في حق متهمين بالتعاون مع "الدعم السريع" في الخرطوم.
وأشار تورك خلال مخاطبته الجلسة الافتتاحية للدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان إلى أن تصاعد الأعمال العدائية في شمال دارفور وكردفان تميز بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، لافتاً إلى أن السودان يغرق في دوامة من الفوضى وانعدام القانون، في ظل غياب الاهتمام الدولي الكافي.
وأبدى المفوض الأممي قلقه البالغ إزاء الوضع في مدينة الفاشر، التي تحاصرها "الدعم السريع" منذ أكثر من عام، قائلاً "أشعر بالفزع من انتشار العنف الجنسي، بما في ذلك ضد الأطفال، والهجمات على العاملين في المجال الإنساني"، وحث المجتمع الدولي على الضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي، ووقف تدفق الأسلحة، وكبح جماح المصالح التجارية التي تؤجج الصراع، مشدداً على ضرورة محاسبة جميع الأطراف.
انخفاض التضخم
اقتصادياً أعلن الجهاز المركزي للإحصاء في السودان انخفاض معدل التضخم في البلاد خلال مايو الماضي بنسبة 13 في المئة مقارنة بأبريل الذي سبقه. وبحسب جهاز الإحصاء فإن معدل التغيير في المستوى العام للأسعار (التضخم) ارتفع في مايو بنسبة 142.82 في المئة عن نظيره في العام السابق. وينفق السودانيون 52.89 في المئة من دخلهم على السلع في مجموعة الأغذية والمشروبات و14.17 في المئة في مجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود، و8.34 في المئة في مجموعة النقل.
وأشار الجهاز إلى أن معدل التضخم شهد ارتفاعاً في مجموعات السكن والتجهيزات المنزلية والاتصالات والمطاعم، فيما انخفض في ثماني مجموعات بما في ذلك الأغذية والمشروبات والنقل والتعليم في وقت تصاعد في شمال دارفور بنسبة 78.68 في المئة بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار السلع الغذائية والخدمات في مدينة الفاشر التي تخضع لحصار "الدعم السريع" منذ أبريل 2024، مما أدى إلى شح شديد في السلع، كما ارتفع معدل التضخم في ولايات كسلا وجنوب كردفان ووسط دارفور، بينما انخفض في بقية الولايات بنسب متفاوتة.
ويشكو السودانيون الذين فقد معظمهم سبل عيشهم ومصادر دخلهم بسبب النزاع القائم من ارتفاع أسعار السلع بمعدلات لا يمكن مجاراتها، إذ يحتاج 30.4 مليون شخص (64 في المئة من إجمالي السكان) إلى مساعدات إنسانية.