اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

من حرب أوكرانيا إلى مأساة فلسطين.. أردوغان يُوسّع خريطة الوساطة التركية

أردوغان
أردوغان

في تطور جديد يعكس تصاعد دور تركيا كلاعب إقليمي يسعى لترسيخ موقعه في هندسة توازنات الجغرافيا السياسية، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المفاوضات الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا، التي استضافتها مدينة إسطنبول، بأنها "خطوة تاريخية" على طريق إنهاء الحرب الدموية المستمرة بين البلدين منذ فبراير 2022. تصريح أردوغان يحمل بعدين رئيسيين: أولهما التأكيد على الموقع الوسيط الذي تسعى تركيا لتكريسه بين طرفي النزاع، وثانيهما التلميح إلى عمق الأزمة وتاريخيتها، إذ لم يصفها فقط بالحرب، بل بـ"الدموية"، وهو توصيف يحمل شحنة أخلاقية تسعى أنقرة من خلاله لتأطير دورها كصانع سلام.


تصريحات أردوغان التي نقلتها وكالة "الأناضول" الرسمية، لم تقتصر على الملف الأوكراني، بل اتسعت لتشمل إشارات مباشرة إلى الوضع المأساوي في فلسطين، حيث أشار الرئيس التركي إلى أن بلاده "تبذل قصارى جهدها لوقف الإبادة الجماعية" هناك. هذا الربط الرمزي بين ملفين جيوسياسيين كبيرين — فلسطين وأوكرانيا — يكشف عن توجه تركي لاستثمار البعد الأخلاقي والإنساني لتبرير انخراطها السياسي والدبلوماسي في قضايا متعددة، تتراوح بين المشرق العربي وحدود أوروبا الشرقية.

المفاوضات الروسية - الأوكرانية: وساطة محفوفة بالتعقيد


المفاوضات التي استؤنفت في إسطنبول جاءت بعد أشهر من الجمود العسكري والدبلوماسي، وشهدت تواصلاً مباشراً بين الوفدين الروسي والأوكراني، وسط غياب الثقة المتبادل، وتباين شديد في الأولويات. فقد نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن رئيس الوفد الروسي فلاديمير ميدينسكي، أن موسكو دعت كييف إلى التركيز على شروط السلام، وليس فقط وقف إطلاق النار، في دلالة على رغبة روسية في تحقيق مكاسب سياسية ودستورية طويلة الأمد قبل الدخول في ترتيبات وقف شامل للأعمال القتالية.
واحدة من النتائج الملموسة لهذه المحادثات كانت الاتفاق المبدئي على بدء عملية تبادل للأسرى بين الجانبين في الفترة بين 7 و9 يونيو، وهو مؤشر إيجابي، وإن ظل في إطار إنساني محدود، لا يرقى إلى مستوى اختراق استراتيجي قد ينهي النزاع. العدد المتداول — الذي قد يصل إلى 1200 أسير — يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي أفرزها الصراع، لكنه في الوقت ذاته يعكس قدرة أنقرة على دفع الطرفين نحو خطوات بناء ثقة متدرجة.


سوريا وفلسطين: خطاب أردوغان المزدوج


في السياق ذاته، أشار الرئيس التركي إلى أن "سوريا ستنعم بالسلام الدائم وستعود إلى أيامها المجيدة السابقة"، وهو خطاب يعكس رغبة تركيا في إعادة تعريف دورها في الملف السوري، لا بوصفها قوة احتلال أو تدخل، بل كشريك إقليمي في إعادة الإعمار السياسي والاجتماعي. غير أن هذا التصريح يبقى في إطار التمنيات، في ظل وجود تركي عسكري فعلي على الأرض، وتضارب في المصالح بين أنقرة ودمشق من جهة، وأنقرة والقوى الكردية والروسية والإيرانية من جهة أخرى.
أما في الملف الفلسطيني، فقد صعّد أردوغان من لهجته بوصف ما يحدث هناك بـ"الإبادة الجماعية"، وهو توصيف قانوني وأخلاقي ثقيل، يراد منه على الأرجح إيصال رسائل متعددة: إلى الداخل التركي المتعاطف مع القضية الفلسطينية، إلى الشارع العربي والإسلامي الذي يرى في تركيا لاعباً محتملاً في كسر الحصار السياسي، وإلى القوى الغربية التي لا تزال تتعامل بانتقائية مع معايير حقوق الإنسان.


تركيا: بين طموحات الوساطة وتضارب المصالح


تركيا اليوم تحاول أن تظهر بمظهر "الوسيط النزيه"، رغم كونها في الواقع طرفاً غير محايد في عدة أزمات. فهي عضو في الناتو، وتدعم أوكرانيا بالسلاح، وفي الوقت ذاته تُبقي على علاقات اقتصادية وتجارية قوية مع موسكو. في فلسطين، تقدم نفسها كمدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، بينما ترتبط بعلاقات مع إسرائيل، وإن كانت متوترة. وفي سوريا، تحتل أجزاء من الشمال السوري، رغم حديثها عن "السلام الدائم".
هذه التناقضات لا تلغي أهمية الدور التركي، لكنها تضعه في سياق براغماتي، تسعى من خلاله أنقرة إلى تعزيز موقعها الإقليمي والدولي في عالم يتجه نحو تعددية قطبية مضطربة.