الولايات المتحدة ترفض توفير غطاء جوي للقوات الأوروبية في أوكرانيا بعد الحرب

تشهد العلاقات بين الحلفاء الغربيين أزمة واضحة في التعامل مع التداعيات الأمنية للحرب في أوكرانيا، وخاصة فيما يتعلق بخطة الدفاع التي تروج لها بريطانيا وفرنسا لضمان وقف دائم لإطلاق النار وردع أي عدوان روسي مستقبلي. هذه الخلافات تجلت بوضوح في رفض الولايات المتحدة توفير أنظمة الدفاع الجوي الحيوية التي تطلبها أوروبا لدعم "تحالف الراغبين" الأوروبي، مما يعكس تبايناً جوهرياً في الاستراتيجيات الأمنية والتفاهمات السياسية بين الأطراف الغربية.
أبعاد الأزمة
تتمحور الأزمة حول إصرار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على ضرورة الدعم الأميركي لتثبيت وقف إطلاق النار وضمان عدم انتهاكه من قبل روسيا، في حين تبدو واشنطن، بقيادة الرئيس دونالد ترمب، مترددة في تقديم تلك الضمانات الأمنية الصريحة التي تطلبها لندن وباريس. التباين هذا يستند إلى رؤية أميركية ترى أن أوروبا يجب أن تتحمل نصيباً أكبر من العبء الأمني والدفاعي، وفقاً لمطالب ترمب المتكررة، والتي تستند إلى أن أوروبا هي الطرف المسؤول عن تأمين حدودها وجيوشها.
تفاصيل الخلاف
الرفض الأميركي لأنظمة الدفاع الجوي: الولايات المتحدة لا تزال مترددة في تزويد أوروبا بأنظمة دفاع جوي متقدمة لدعم الخطة الأمنية الأوروبية، وهو ما تعتمده بريطانيا وفرنسا كركيزة أساسية لردع روسيا.
الاعتماد الأوروبي على دعم استخباراتي محدود: رغم خفض سقف توقعاتهم، تأمل الدول الأوروبية في استمرار الدعم الاستخباراتي الأميركي ومراقبة الحدود، رغم غياب الضمانات العسكرية المباشرة.
تعديل أوروبا لتقييم الردع: في ظل غياب الدعم الأميركي الكامل، عدلت الدول الأوروبية استراتيجيتها لتعتمد أكثر على تقوية القوات الأوكرانية بالتدريب والمعدات، وقوات الناتو المتمركزة على الأطراف الشرقية، بالإضافة إلى تعزيز الدوريات البحرية في البحر الأسود.
حذر من ضمانات مكتوبة: المسؤولون الأوروبيون يشكون في احتمال حصولهم على ضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة، خاصة في حال استهداف القوات الأوروبية، مما يضع خطط الردع في حالة من عدم اليقين.
تبعات على التحالف الغربي
اختلاف الرؤى الاستراتيجية: يظهر الخلاف بوضوح كيف أن الشراكة بين الولايات المتحدة وأوروبا في الناتو والتحالفات الأمنية ليست موحدة حول مدى الانخراط المباشر في النزاع أو تقديم ضمانات عسكرية متقدمة.
زيادة الإنفاق العسكري الأوروبي: نتيجة لمطالب واشنطن وتحول العبء الأمني، تعكف دول الناتو وخاصة الأوروبية منها على زيادة الإنفاق الدفاعي بنسب كبيرة تصل إلى 5% من الناتج المحلي، لتقوية قدراتها الذاتية.
تعقيد التوصل إلى تسوية سلمية: تعتقد الدوائر الأوروبية أن السلام في أوكرانيا أصبح بعيد المنال في ظل الموقف الروسي الرافض، وغياب اتفاق واضح على دور الحلفاء في تنفيذ وقف إطلاق النار.
إطار التحالف العسكري المقترح
بريطانيا وفرنسا وضعتا خريطة لقوة حفظ سلام أوروبية محتملة تضم أقل من 30 ألف جندي، تركز مهمتها على حماية البنية التحتية الحيوية مثل محطات الطاقة النووية، مع مراقبة عن بعد باستخدام طائرات بدون طيار وتقنيات متقدمة، مدعومة بقوة جوية وبحرية احتياطية، بعيداً عن خط المواجهة المباشر الذي يمتد لأكثر من 1000 كيلومتر في شرق أوكرانيا.
دور الدول الأخرى
يتوقع أن يشارك في "تحالف الراغبين" أكثر من 30 دولة من داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه (مثل كندا، أستراليا، اليابان ونيوزيلندا)، لكن كثيراً منها مترددة في إرسال قوات برية، مفضلة تقديم دعم استخباراتي ولوجستي. دول مجاورة لروسيا مثل فنلندا وبولندا تفضل إبقاء قواتها محلية للدفاع عن أراضيها، خشية أن يستغل بوتين أي وقف لإعادة نشر قواته بشكل يهددها.
تشكل أزمة رفض الولايات المتحدة توفير الدعم العسكري المباشر جزءاً من أزمة أوسع في تنسيق التحالف الغربي حيال التصدي للعدوان الروسي في أوكرانيا. في حين تصر أوروبا على أهمية الدعم الأميركي لضمان سلام مستدام، تتجه الولايات المتحدة إلى تحميل أوروبا مسؤولية أكبر، ما يخلق فجوة في التحالف. هذه الخلافات تؤثر بشكل مباشر على قدرة الغرب على فرض رادع حقيقي ضد التوسع الروسي، وتجعل احتمالات التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام أكثر ضبابية.