هولندا في مأزق.. انهيار الائتلاف الحاكم بسبب أزمة الهجرة وخطة فيلدرز المتطرفة

انهار الائتلاف الحاكم في هولندا يوم الثلاثاء، في تطور دراماتيكي يعكس هشاشة التحالفات السياسية في مواجهة القضايا المثيرة للانقسام، وعلى رأسها ملف الهجرة. الانهيار جاء بعد فشل مكونات الائتلاف الرباعي في التوصل إلى توافق حول خطة مثيرة للجدل قدّمها حزب "الحرية" (PVV) اليميني المتطرف، بقيادة خيرت فيلدرز، تهدف إلى فرض قيود صارمة وغير مسبوقة على الهجرة واللجوء.
فيلدرز أعلن انسحاب حزبه من الحكومة عبر منصة "إكس"، مؤكدًا أن شركاءه في الحكم رفضوا دعمه في تنفيذ خطته التي وصفها بـ"الضرورية"، رغم أن هذه الخطط تنتهك بشكل صارخ التزامات هولندا الدولية في مجال حقوق الإنسان وحماية اللاجئين. وفي تصريح قاطع قال: "لا توقيع على خططنا المتعلقة باللجوء.. لا تعديلات على الاتفاق الإطاري الرئيسي.. حزب الحرية ينسحب من الائتلاف".
هذا الانسحاب وجه ضربة قاصمة لحكومة رئيس الوزراء ديك شوف، التي أصبحت الآن فاقدة للأغلبية البرلمانية، ما يمهد الطريق لانتخابات مبكرة ويعيد هولندا إلى مربع عدم الاستقرار السياسي.
برنامج صدامي يتحدى المعايير الأوروبية
تتضمن خطة فيلدرز عشر نقاط محورية، أبرزها إغلاق الحدود باستخدام دوريات عسكرية، ورفض دخول جميع طالبي اللجوء، وتعليق عمليات لم شمل الأسر، بالإضافة إلى ترحيل اللاجئين السوريين الحاصلين على إقامات مؤقتة، بزعم أن "معظم سوريا أصبحت آمنة". كما اقترح طرد أي مهاجر يُدان بجرائم عنف أو جرائم جنسية، في خطوة تهدف إلى كسب التأييد الشعبي عبر تبني خطاب أمني قومي صارم.
لكن هذه الخطة، التي تعتبر الأكثر تشددًا في تاريخ السياسة الهولندية الحديث، أثارت ردود فعل غاضبة داخل الائتلاف. فقد وصفت كارولين فان دير بلاس، زعيمة حركة المواطنين والمزارعين (BBB)، تصرف فيلدرز بأنه "غير مسؤول"، معتبرة أنه أضاع فرصة تاريخية لليمين الهولندي في تشكيل حكومة مستقرة.
أما نيكولين فان فرونهوفن، زعيمة حزب NSC الوسطي، فقد اعتبرت الانسحاب غير مبرر سياسياً، فيما اتهمت ديلان يسيلجوز، زعيمة حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية (VVD)، فيلدرز بتغليب "غروره السياسي" على مصلحة البلاد.
تحالف هش ونهايته المتوقعة
كان التحالف الرباعي قد تشكّل في يوليو الماضي، بعد مفاوضات استمرت أشهرًا، وضمّ مزيجًا غير متجانس من التوجهات السياسية: من اليمين المحافظ (VVD) إلى اليمين المتطرف (PVV)، مرورًا بتيارات وسطية وشعبوية. غير أن القضايا الجوهرية، وعلى رأسها الهجرة، بقيت قنبلة موقوتة داخل جسد هذا التحالف. ومع كل تحرك متطرف من قبل فيلدرز، ازداد التوتر بين الأحزاب، إلى أن بلغ مرحلة الانفجار.
انتخابات جديدة ومخاطر على الديمقراطية الليبرالية
من المتوقع أن يقدم رئيس الوزراء ديك شوف استقالته رسميًا للملك، تمهيدًا لإجراء انتخابات جديدة قد تفتح الباب لمزيد من الصعود اليميني، في ظل تصاعد النزعات الشعبوية في أوروبا.
لكن محللين قانونيين حذروا من أن كثيرًا من المقترحات التي دفع بها حزب الحرية تتعارض مع الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة باللاجئين، خاصة في ما يتعلق بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلد ما زال يعتبر غير آمن من قبل المجتمع الدولي.
الانهيار السياسي في هولندا لا يعكس فقط أزمة داخلية، بل يُعد حلقة جديدة في سلسلة التوترات التي تضرب المنظومة الليبرالية الأوروبية، حيث تُختبر القيم الإنسانية أمام تصاعد خطاب الهويات القومية والخوف من "الآخر".