اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

أفول القيادة الأميركية في دعم أوكرانيا.. غياب وزير الدفاع عن اجتماع الناتو

الناتو
الناتو

في تحوّل لافت وغير مسبوق منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل ثلاث سنوات، يغيب وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث عن اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية لأوكرانيا، الذي يُعقد الأربعاء ضمن فعاليات مؤتمر وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، ويضم أكثر من 50 وزير دفاع من الدول الداعمة لكييف. هذا الغياب، الأول من نوعه لوزير دفاع أميركي عن هذا الحدث الحيوي، أثار تساؤلات جدية حول توجهات السياسة الدفاعية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لا سيما في ظل إشارات متزايدة إلى تراجع القيادة الأميركية في تنسيق الدعم الغربي لأوكرانيا.


وبحسب مصادر متعددة، فإن هيجسيث سيصل إلى بروكسل مساء الأربعاء، أي بعد انتهاء اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية، ولن يشارك حتى عبر الفيديو، وهو ما أكدته وكالة "أسوشيتد برس" نقلاً عن مسؤول أميركي. وعوضًا عنه، سيمثل السفير الأميركي لدى الناتو، ماثيو ويتاكر، بلاده في هذا الاجتماع المصيري، بينما يُنتظر حضور هيجسيث لاجتماع وزراء دفاع الناتو العام يوم الخميس.

تبرير رسمي ومؤشرات ضمنية


البنتاغون برر غياب الوزير بـ"تعارض في الجدول الزمني"، في بيان للمتحدث كينجسلي ويلسون، الذي شدد على أن واشنطن ما زالت تركز على إنهاء الحرب في أوكرانيا بشروط تُفضي إلى سلام دائم. إلا أن هذه الصياغة الدبلوماسية تبدو غير كافية لطمأنة الشركاء الأوروبيين، في ظل اتجاه متزايد لإعادة توزيع أدوار القيادة داخل المجموعة الداعمة لأوكرانيا.

منذ فبراير الماضي، تولّت بريطانيا وألمانيا عمليًا قيادة اجتماعات مجموعة الاتصال الدفاعية لأوكرانيا، في خطوة تؤكد تراجع الدور الأميركي، خاصة بعد إعلان هيجسيث رسميًا أن بلاده لن تستمر في لعب دور مركزي في هذه الاجتماعات الشهرية التي أسسها سلفه، لويد أوستن، عام 2022. ومنذ ذلك الحين، قاد كل من الوزير البريطاني جون هيلي ونظيره الألماني بوريس بيستوريوس الاجتماعات الدورية، فيما اكتفى هيجسيث بحضور افتراضي خجول في الاجتماع الماضي فقط.


انقسامات استراتيجية وخلافات في الرؤية


في مداخلته الأولى ضمن المجموعة قبل شهور، أثار هيجسيث جدلاً واسعًا حين دعا كييف إلى التخلي عن مساعيها للانضمام إلى الناتو والتراجع عن مطلبها باستعادة كامل الأراضي المحتلة من روسيا، معتبرًا أن على أوروبا تحمّل العبء الأكبر من التكلفة العسكرية والمالية لدعم أوكرانيا، وهي رؤية تتماشى مع توجهات ترمب منذ عودته إلى البيت الأبيض، حيث يؤكد على ضرورة "تقاسم الأعباء" وتقليص الانخراط الأميركي المباشر في الحروب الخارجية.


زيارة أوكرانية موازية وملفات استراتيجية


في الوقت ذاته، وصل إلى واشنطن وفد أوكراني رفيع برئاسة يوليا سفيريدينكو، النائبة الأولى لرئيس الوزراء ووزيرة الاقتصاد، لإجراء محادثات دفاعية واقتصادية. والتقى الوفد مسؤولين أميركيين، بينهم المبعوثان الخاصان ستيف ويتكوف وكيث كيلوج، حيث ناقشوا تطورات المعركة وتداعيات المحادثات الجارية مع روسيا.


ومن المتوقع أن يلتقي الوفد أيضًا بوزير الخارجية ماركو روبيو وعدد من كبار المسؤولين، في محاولة للحصول على تطمينات قبل القمة السنوية للناتو المقررة في هولندا نهاية يونيو، والتي ستشهد مشاركة الرئيس ترمب وسط ترقب أوروبي لما ستسفر عنه ملامح سياسته الدفاعية الجديدة.


مساعدات مستمرة ولكن قيادة غائبة


رغم استمرار الإدارة الأميركية في شحن الأسلحة والمعدات إلى أوكرانيا ضمن حزمة المساعدات التي أقرتها إدارة بايدن السابقة بقيمة 61 مليار دولار، فإن تغيب هيجسيث وفتور الحضور الأميركي المباشر في الاجتماعات التنسيقية يوحي بانسحاب تدريجي من الموقع القيادي في إدارة الأزمة، ما يفتح المجال أمام تحولات استراتيجية أوسع داخل الناتو، ويضع مستقبل الدعم الغربي لكييف على مفترق طرق حاسم.

غياب وزير الدفاع الأميركي عن اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية في بروكسل ليس تفصيلًا بروتوكوليًا، بل هو مؤشر على تغير عميق في ميزان القيادة الغربية للأزمة الأوكرانية. وبينما تتولى لندن وبرلين زمام التنسيق، وتطالب باريس بعدم التهاون في دعم كييف، تلوح في الأفق ملامح نهج أميركي أكثر انعزالية، ما يضعف وحدة الناتو وقدرته على فرض أجندة موحدة تجاه موسكو. وفي هذا السياق، تبرز تساؤلات وجودية: هل بدأت واشنطن فعلاً في تقليص التزامها تجاه أوكرانيا؟ وما تداعيات ذلك على ميزان القوى في أوروبا؟

موضوعات متعلقة