اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

تصاعد التوترات مع لندن.. روسيا تصنّف المجلس الثقافي البريطاني منظمة غير مرغوب فيها

روسيا
روسيا

في خطوة تعكس التصاعد المستمر في التوترات السياسية بين موسكو ولندن، أعلن مكتب المدعي العام الروسي، يوم الخميس، عن تصنيفه المجلس الثقافي البريطاني كـ"منظمة غير مرغوب فيها" داخل الأراضي الروسية، في تصعيد قانوني وإعلامي جديد ضد المؤسسات الغربية العاملة في روسيا، حتى تلك التي تُعرّف نفسها بأنها ثقافية وتعليمية.

وجاء في بيان صادر عن المكتب أن المجلس "يقدم نفسه على أنه جهة مستقلة"، إلا أن "جميع أعماله تتماشى مع أولويات حكومة المملكة المتحدة"، مؤكدًا أن المجلس "يخضع للمساءلة أمام البرلمان البريطاني ويتلقى تمويله من وزارة الخارجية". هذا الطرح يضع المجلس في خانة الامتداد السياسي للدولة البريطانية، ويقوض ما تروّجه المؤسسة عن كونها جسراً ثقافياً لا يحمل طابعًا سياسيًا مباشرًا.

جذور الأزمة

وتعود جذور الأزمة إلى عام 2018، حين طُلب من المجلس البريطاني وقف أنشطته في روسيا، ضمن سياق دبلوماسي مشحون أعقب قضية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال في بريطانيا، وهي الحادثة التي تسببت آنذاك في أزمة دبلوماسية خانقة بين البلدين، تبادل خلالها الطرفان طرد الدبلوماسيين وفرض القيود على المؤسسات المرتبطة بالحكومة الأخرى.
المجلس الثقافي البريطاني، الذي يصف نفسه بـ"منظمة بريطانيا الدولية للعلاقات الثقافية والفرص التعليمية"، لطالما كان أداة رئيسية في تعزيز النفوذ الناعم البريطاني حول العالم، من خلال تنظيم الأنشطة الثقافية، ودورات اللغة الإنجليزية، وبرامج التبادل التعليمي، ودعم الحوار الثقافي بين الشعوب. غير أن روسيا، ومع تصاعد الحساسية تجاه ما تعتبره تغلغلًا أجنبيًا في شؤونها الداخلية، باتت ترى في هذا النوع من المؤسسات تهديدًا محتملًا للاستقرار الثقافي والسياسي.

منظمة غير مرغوب فيها

إدراج المجلس على قائمة "المنظمات غير المرغوب فيها" يعني فعليًا حظره من العمل داخل روسيا، ويُعرّض المتعاونين معه لعقوبات جنائية محتملة. وتأتي هذه الخطوة في ظل حملة موسعة تنفذها السلطات الروسية ضد المنظمات غير الحكومية الغربية، خصوصًا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، والتي أعادت رسم خريطة العلاقات الروسية مع الغرب، وأدخلت روسيا في مرحلة من الانغلاق النسبي على المستوى الثقافي والدبلوماسي.
وبينما تبرر موسكو هذه السياسات بأنها ضرورية لحماية "السيادة الوطنية" من "التأثيرات الأجنبية"، فإن منتقدي هذه الخطوات يرون فيها تجليًا لتراجع الحريات الأكاديمية والثقافية، ومؤشرًا على توتر متزايد في العلاقات الدولية، حيث لم تعد الثقافة بمعزل عن الحسابات الجيوسياسية.
تعكس أزمة المجلس الثقافي البريطاني في روسيا تحول العلاقات الثقافية إلى ساحة صراع ناعم بين القوى الكبرى، حيث أصبحت المنصات التي كانت تُعد سابقًا أدوات للحوار والتفاهم، تُعامل الآن باعتبارها أدوات للتأثير والاختراق. وبين منطق السيادة ومنطق الانفتاح، تظل الثقافة أولى ضحايا النزاع الجيوسياسي المتفاقم.