إيرلندا وكسر حاجز الصمت الأوروبي.. نحو حظر التجارة مع شركات المستوطنات الإسرائيلية

تخطو إيرلندا خطوة غير مسبوقة على مستوى الاتحاد الأوروبي، بإعلانها عزمها طرح تشريع لحظر التجارة مع الشركات الإسرائيلية العاملة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يضعها في طليعة الدول الأوروبية التي تترجم مواقفها السياسية بشأن القضية الفلسطينية إلى إجراءات اقتصادية ملموسة. هذا التطور يعكس تصعيداً في موقف دبلن من السياسات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، ويضع ضغوطاً أخلاقية وقانونية على بقية دول الاتحاد الأوروبي.
خلفية القرار.. الجرائم والحسابات
يأتي هذا التشريع، وفق ما أعلنه وزير الخارجية والتجارة الإيرلندي سيمون هاريس، في سياق تزايد الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل بارتكاب "جرائم حرب" في غزة، من بينها استخدام الغذاء كسلاح وتجويع المدنيين. هاريس شدد على أن "العالم لم يفعل ما يكفي"، داعياً إلى تحرك يتجاوز الإدانات الخطابية.
البعد الأوروبي والدولي
الخطوة الإيرلندية تتزامن مع تصويت غالبية دول الاتحاد الأوروبي على مراجعة اتفاقية التجارة مع إسرائيل، وهو ما يعكس تغيراً جزئياً في المزاج السياسي الأوروبي، ولو أنه لا يزال بعيداً عن التحول الجماعي الذي تأمله دبلن.
وما يزيد من رمزية الموقف الإيرلندي أنه يُستند إلى رأي استشاري صادر عن محكمة العدل الدولية العام الماضي، دعا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى "اتخاذ خطوات لمنع العلاقات التجارية أو الاستثمارية التي تسهم في الإبقاء على الاحتلال".
جدلية شمول "الخدمات"
المثير في النقاش الدائر داخل إيرلندا هو مدى شمول التشريع المزمع للقطاعات الخدمية غير الملموسة مثل السياحة وخدمات التكنولوجيا، وهو ما قد يطال شركات مثل "Airbnb" التي تتخذ من دبلن مقراً أوروبياً لها، وتتيح إدراج عقارات في المستوطنات. ورغم أن الحكومة الإيرلندية أُبلغت قانونياً بعدم إمكانية شمول الخدمات، إلا أن أكثر من 400 أكاديمي ومحامٍ يرون أن هذا المنع ليس له أساس قانوني ملزم، مطالبين بالكشف عن النص الكامل للمشورة القانونية التي تلقتها الحكومة.
البعد الرمزي والقيادي
من الناحية الاقتصادية، تشير الأرقام إلى أن حجم التجارة مع الشركات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ضئيل، إذ بلغ مجموع الواردات من هذه المناطق نحو 685 ألف يورو فقط بين عامي 2020 و2024. غير أن القيمة السياسية والأخلاقية للتشريع المقترح تتجاوز بكثير هذا الرقم المحدود. فإيرلندا تسعى إلى لعب دور قيادي في توجيه دفة السياسات الأوروبية نحو موقف أكثر صرامة من الاحتلال، كما فعلت في الثمانينيات عندما كانت من أوائل الدول التي حظرت استيراد السلع من جنوب إفريقيا إبان نظام الفصل العنصري، في سابقة تبعتها دول أخرى لاحقاً.
المعوقات والتردد الأوروبي
رغم رمزية الخطوة، لا تزال المفوضية الأوروبية تلتزم الصمت حيال المشروع، في ما يبدو أنه تردد تقليدي من بروكسل تجاه اتخاذ مواقف قد تؤدي إلى خلافات داخل التكتل الأوروبي. ويرى هاريس أن تحرك الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي سيكون له "أثر أعمق بكثير"، لكنه يدرك أيضاً أن التحرك المنفرد لإيرلندا يمكن أن يكون نواة لموقف أوروبي أكثر صرامة في المستقبل.