تصدّعات في تحالف نتنياهو وترامب على وقع أزمات غزة والملف النووي الإيراني

رغم محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفي التقارير الإعلامية التي تحدثت عن تدهور في علاقته مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فإن سلسلة من التطورات والتصريحات تشير إلى تصدّع واضح في أحد أبرز التحالفات السياسية في العقد الأخير، وذلك في ظل تباينات متزايدة بشأن القضايا المحورية في الشرق الأوسط، لا سيما إدارة الحرب على غزة والبرنامج النووي الإيراني.
في مقطع مصوّر نشره على منصة "إكس"، سعى نتنياهو إلى تبديد الشكوك حول تراجع علاقته بترمب، واصفًا الروابط بينهما بـ"الممتازة"، ومتهماً وسائل إعلام إسرائيلية بترويج "أكاذيب" تهدف إلى دعم مرشحين سياسيين منافسين. وقد استند نتنياهو في نفيه إلى تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض عن إدارة ترمب، كارولين ليفيت، التي قالت إن العلاقة بين الزعيمين "ممتازة". لكنه، في المقابل، لم ينكر وجود تباينات في بعض القضايا، مكتفيًا بالإشارة إلى تواصل دوري بينه وبين ترمب وفريقه.
الخلافات العميقة خلف الكواليس
على الرغم من النفي الرسمي، كشفت تقارير إعلامية أميركية وإسرائيلية عن توتر آخذ في التصاعد بين نتنياهو وترمب. وأبرز هذه التقارير ما نقلته قناة NBC NEWS، التي أكدت على وجود خلافات استراتيجية عميقة بشأن ملف غزة والنووي الإيراني. وأفادت القناة بأن ترمب أدلى خلال أسبوع واحد بتصريحات أغضبت نتنياهو مرتين، أبرزها تشكيكه في قراره بشأن السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم ضمن اتفاق نووي جديد، ما أثار امتعاضًا شديدًا في أوساط الحكومة الإسرائيلية.
وفي السياق نفسه، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصادر أن ترمب يشعر بخيبة أمل متزايدة من مواقف نتنياهو، وأنه بدأ يفكر في إعادة ضبط مقاربته لملفات الشرق الأوسط بعيدًا عن الاصطفاف الكامل مع إسرائيل، ما قد يعكس تحولات في نظرة ترمب إلى مصالح بلاده في المنطقة، أو محاولة للتمايز عن الإرث السياسي لعلاقته السابقة بنتنياهو.
انتقادات غير مسبوقة من الدائرة المقربة لنتنياهو
الأكثر إثارة كان ما ذكرته القناة 13 الإسرائيلية عن انتقادات لاذعة وغير معتادة وجّهها مقربون من نتنياهو إلى إدارة ترمب، متحدثين عن "فوضى" داخل الإدارة، وعن قرارات تُتخذ بحسب "أهواء الرئيس". وجاء ذلك بالتزامن مع اجتماع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، أحد أقرب مستشاري نتنياهو، مع مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط في البيت الأبيض، حيث عبّر ديرمر عن خيبة أمل إسرائيلية من موقف واشنطن.
محاولات تطويق الأزمة
في محاولة للتهدئة، خرج مبعوث ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بتصريحات يُقلل فيها من أهمية الخلافات، مؤكدًا أن العلاقة بين ترمب ونتنياهو "ودية" رغم عدم الاتفاق في كل القضايا. وقال إن "الصحافيين يضخّمون الخلافات الصغيرة ويحولوها إلى أزمات كبرى"، لكنه في الوقت نفسه أقر ضمنيًا بوجود تباينات، خصوصًا في ما يتعلق بمستقبل إيران النووي.
قراءة في الخلفيات والدلالات
الحرب على غزة تمثل نقطة توتر أساسية؛ فبينما يسعى ترمب إلى الدفع نحو اتفاق ينهي الصراع أو يخفف من أعبائه السياسية والإنسانية، يواصل نتنياهو تبني خطاب تصعيدي يعوّل على الحسم العسكري، رغم الكلفة الإنسانية الباهظة.
في الملف الإيراني، يفضّل نتنياهو المواجهة العسكرية، بينما يبدو ترمب منفتحًا على إعادة التفاوض، بما يحقق مصالح استراتيجية للولايات المتحدة ويحد من التصعيد، ما يثير قلق تل أبيب.
هذه الخلافات ليست مجرد نزاع شخصي، بل تعكس تبدلات في أولويات السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وربما أيضًا تغيرًا في توازنات التأثير داخل الحزب الجمهوري بين تيار ترمب وحلفائه من جهة، والمصالح الإستراتيجية التقليدية من جهة أخرى.
وراء التصريحات الدبلوماسية المنمقة، تتكشف بوادر شرخ حقيقي في العلاقة بين نتنياهو وترمب، نتيجة لتباين الرؤى والمصالح حول أكثر القضايا حساسية في المنطقة. وبينما يسعى الطرفان إلى الحد من تداعيات الأزمة إعلاميًا، تشير التسريبات والمواقف غير الرسمية إلى أن تحالفهما، الذي كان يوصف بالصلابة، لم يعد بمنأى عن الخلافات السياسية والتكتيكية الحادة.