الآثار السودانية.. ضحية حرب في الخرطوم
منذ بداية النزاع في السودان قبل أكثر من 17 شهراً، تضررت المتاحف والآثار في البلاد بشدة، حيث شهدت موجات من النهب وظهور قطع أثرية للبيع على الإنترنت، مما أثار قلقاً كبيراً بين الباحثين والمنظمات الدولية. وفي تحذيرها الأخير، نبهت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) إلى أن "التهديد للثقافة في السودان بلغ مستوى غير مسبوق"، في ضوء التقارير عن نهب المتاحف والمواقع التراثية والأثرية.
أوضحت إخلاص عبد اللطيف، مديرة المتاحف في الهيئة القومية للآثار ورئيس لجنة استرداد الآثار السودانية، لوكالة فرانس برس أن "متحف السودان القومي تعرض لعملية نهب كبيرة"، مشيرة إلى أن الأقمار الصناعية رصدت "خروج شاحنات كبيرة محملة بالقطع الأثرية من المتحف إلى الغرب عبر أم درمان"، حيث تُباع المسروقات على الحدود، خصوصاً مع جنوب السودان.
بدأ النزاع في أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، مما أدى إلى أزمة إنسانية حادة وفقاً للأمم المتحدة. ويظل حجم وقيمة المسروقات غير واضحين بسبب صعوبة الوصول إلى المتحف، الذي يعد مستودعاً رئيسياً لجميع آثار السودان.
متحف السودان القومي، الذي افتُتح في عام 1971 ويقع في الخرطوم، يضم آثاراً من مختلف العصور السودانية، بما في ذلك النوبية والمسيحية. وقد أُنشئ جزئياً لحماية القطع الأثرية من الغمر أثناء بناء السد العالي في أسوان بمصر. لم يرد المتحدث باسم قوات الدعم السريع على استفسارات وكالة فرانس برس، لكن بياناً صادراً في مايو أكد حرص القوات على "حماية آثار الشعب السوداني". مع ذلك، انتشرت إعلانات على الإنترنت تعرض قطعاً أثرية للبيع، بما في ذلك تمثال يحتوي على ثلاثة تماثيل زُعم أنها مصرية قديمة.
ندد العديد من السودانيين ببيع تراث بلادهم عبر الإنترنت، وأكد أحد الخبراء أن التمثال المعروض هو تقليد، لكن هناك إعلانات لقطع أخرى كانت موجودة بالمتحف. حذرت اليونسكو من أن التماثيل الضخمة قد تتعرض للتدمير إذا حاول السارقون تحريكها، ودعت إلى الامتناع عن الاتجار بالقطع الفنية السودانية.
في عام 2020، أُغلق المتحف لصيانته وظل مغلقاً حتى بداية عام 2023، ولم يُفتتح مجدداً بسبب اندلاع المعارك. في يونيو، أكدت اليونسكو "تعرّض أكثر من عشرة متاحف ومراكز ثقافية ومؤسسات ذاكرة للنهب والتخريب" في السودان، محذرةً من ضياع "ذاكرة آلاف السنين من الحضارة". لم يقتصر النهب على المتحف القومي، بل شمل أيضاً متحف نيالا في جنوب دارفور ومتحف الخليفة عبد الله التعايشي في أم درمان. ودعا حسن حسين، الباحث في الآثار والمدير الأسبق لهيئة الآثار، إلى تسليط الضوء على أزمة سرقة التراث السوداني خلال مؤتمر في مدينة مونستر الألمانية، مؤكداً أن "أوضاع الآثار السودانية تشغل جميع المهتمين بالتراث الإنساني".