اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

في مثل هذا اليوم 2 مارس 1895.. وفاة الخديوي إسماعيل حفيد محمد علي باشا

ولد الخديوي اسماعيل في 31 ديسمبر 1830 وتوفي في 2 مارس 1895 عن 64 عاما.
وهو خامس حكام مصر من الأسرة العلوية، وذلك من 18 يناير 1863 إلى أن خلعه عن العرش السلطان العثماني تحت ضغط كل من إنجلترا وفرنسا في 26 يونيو 1879.
في فترة حكمه، عمل على تطوير الملامح العمرانية والاقتصادية والإدارية في مصر بشكل كبير ليستحق لقب المؤسس الثاني لمصر الحديثة بعد إنجازات جده محمد علي باشا الكبير.

مولده ونشأته:
ولد في 31 ديسمبر 1830 في قصر المسافر خانه بالجمالية، وهو الابن الأوسط بين ثلاثة أبناء لإبراهيم باشا غير أشقاء وهم الأميران أحمد رفعت، ومصطفى فاضل. اهتم والده إبراهيم باشا بتعليمه، فتعلم مبادئ العلوم واللغات العربية والتركية والفارسية، بالإضافة إلى القليل من الرياضيات والطبيعة.
وقد أرسله والده وهو في سن الرابعة عشرة إلى فيينا عاصمة النمسا، لكى يعالج بها من إصابته برمد صديدي، وأيضاً لاستكمال تعليمه، وقد بقي في فيينا لمدة عامين، ثم التحق بالبعثة المصرية الخامسة إلى باريس لينضم إلى تلاميذها، وكان من بينهم الأمير أحمد رفعت (شقيقه) والأميران عبد الحليم وحسين، وهما من أبناء محمد علي.

أعجاب حتى الهوس بباريس:
في باريس، درس علوم الهندسة والرياضيات والطبيعة، كما أتقن اللغة الفرنسية تحدثاً وكتابة وتأثر بالثقافة والمعمار الفرنسي كثيراً، ثم عاد إلى مصر في عهد ولاية والده إبراهيم باشا، وحين توفي إبراهيم خلفه في الحكم عباس حلمي الأول، إبن أخيه الأمير أحمد طوسون.

كراهية اسماعيل وأشقائه لعباس حلمي الأول:
كان الأمير إسماعيل يكره ابن عمه عباس، فلما تولى الحكم، شعر إسماعيل وإخوته بكراهية عباس لهم، ثم مات جده محمد علي، واشتد الخلاف بين إسماعيل وبقية الأمراء بشأن تقسيم ميراث جده، وسافر إسماعيل وبعض الأمراء إلى الآستانه، وعيّنه السلطان عبد المجيد الأول عضواً بمجلس أحكام الدولة العثمانية، وأنعم عليه بالبشاوية، ولم يعد إلى مصر إلا بعد مقتل ابن عمه عباس الذي تولّى بعده عمه محمد سعيد ولاية مصر.

عطف كبير من عمه محمد سعيد باشا:
عندما عاد إسماعيل من الآستانة لقي من عمه محمد سعيد باشا عطفاً كبيراً، وعهد إليه برئاسة (مجلس الأحكام) الذي كان أكبر هيئة قضائية في البلاد في ذلك الوقت، وأرسله سعيد باشا سنة 1855 في مهمة سياسية لدى الإمبراطور نابليون الثالث بشأن رغبة سعيد باشا من الدول الأوروبية في توسيع نطاق استقلال مصر بعد اشتراكها مع الحلفاء في حرب القرم، فأدى إسماعيل تلك المهمة بما امتاز به من ذكاء ولباقة، ووعده نابليون الثالث بتأييد مقترحه في مؤتمر الصلح بباريس، ولكنه لم يحقق وعده، وكذلك قابل البابا بيوس التاسع. ثم أرسله سعيد باشا في جيش تعداده 14 ألفا إلى السودان وعاد بعد أن نجح في تهدئة الأوضاع هناك.

توليه ولاية مصر:
بعد وفاة محمد سعيد باشا في 18 يناير 1863، حصل اسماعيل باشا على السلطة دون معارضة وذلك لوفاة شقيقه الأكبر أحمد رفعت باشا. ومنذ أن تولى مقاليد الحكم، ظلَّ يسعى إلى السير على خطى جده محمد علي والتخلص تدريجياً من قيود معاهدة لندن 1840. وفي 8 يونيو 1867، أصدر السلطان عبد العزيز الأول فرمانا منح فيه إسماعيل لقب الخديوي مقابل زيادة في الجزية، وتم بموجب هذا الفرمان أيضًا تعديل طريقة نقل الحكم لتصبح بالوراثة لأكبر أبناء الخديوي سنًا، كما حصل في 10 سبتمبر 1872، على فرمان آخر يتيح له حق الإستدانة من الخارج دون الرجوع إلى الدولة العثمانية.
وفي 8 يونيو 1873، حصل الخديوي إسماعيل على الفرمان الشامل الذي تم منحه فيه إستقلاله في حكم مصر بإستثناء دفع الجزية السنوية وعقد المعاهدات السياسة وعدم الحق في التمثيل الدبلوماسي وعدم صناعة المدرعات الحربية.

إنجازات الخديوي إسماعيل:
في عهده تمت العديد من الإصلاحات:
الإصلاح النيابي: قام بتحويل مجلس المشورة الذي أسسه جده محمد علي باشا إلى مجلس شورى النواب، وأتاح للشعب اختيار ممثليه. وافتتحت أولى جلساته في 25 نوفمبر 1866.
الإصلاح الإداري:
. تحويل الدواوين إلى نظارات.
. وضع تنظيم إداري للبلاد، وإنشاء مجالس محلية منتخبة للمعاونة في إدارة الدولة.
الإصلاح القضائي:
. أصبح للمجالس المحلية حق النظر في الدعاوي الجنائية والمدنية.
. انحصار اختصاص المحاكم الشرعية في النظر في الأحوال الشخصية.
. إلغاء المحاكم القنصلية وتبديلها بالمحاكم المختلطة.
الإصلاح العمراني:
. الانتهاء من حفر قناة السويس وإقامة احتفالاتها.
. إنشاء قصور فخمة مثل قصر عابدين.
. إنشاء دار الأوبرا الخديوية.
. تخطيط وإنشاء القاهرة الخديوية (منطقة وسط القاهرة بتفرعاتها).
. إنشاء كوبري قصر النيل.
. استخدام البرق والبريد وتطوير السكك الحديدية.
. إضاءة الشوارع ومد أنابيب المياه.
في المجال الاقتصادي
. زيادة مساحة الأراضي الزراعية.
. حفر ترعة الإبراهيمية في صعيد مصر، وترعة الإسماعيلية في شرق الدلتا.
. زيادة مساحة الأراضي المنزرعة قطنًا.
. إنشاء مصانع، ومن بينها 19 مصنعًا للسكر ومنها (أرمنت والمطاعنة والضبعيه والبلينا وجرجا وأبوقرقاص والشيخ فضل والفيوم).
. إصلاح ميناء السويس وميناء الإسكندرية.
. بناء 15 منارة في البحرين الأحمر والمتوسط لإنعاش التجارة.
المجال التعليمي والثقافي:
. زيادة ميزانية نظارة المعارف.
. وقف الأراضي على التعليم.
. تكليف علي مبارك بوضع قانون أساسي للتعليم.
. تكليف الحكومة بتحمل نفقات التلاميذ.
. إنشاء أول مدرسة لتعليم الفتيات في مصر، وهي مدرسة السنية (1873).
. إنشاء دار العلوم لتخريج المعلمين.
. إنشاء دار الكتب.
إنشاء الجمعية الجغرافية ودار الآثار(1875).
. ظهور الصحف مثل الأهرام والوطن ومجلة روضة.
الأعمال الصحية:
كانت المسائل الصحية موضع عناية الخديوي إسماعيل، وشاركه في هذه العناية نوابغ الأطباء في مصر وأعضاء مجلس شورى النواب، فقد وجّهوا همتهم جميعاً إلى تحسين أحوال البلاد الصحية، وكان للإدارة الصحية فضل كبير في مقاومة الأمراض ومكافحة الأوبئة، وخاصةً وباء الكوليرا الذي حلَّ بالبلاد سنة 1865، وكان أشد ما أصيبت به البلاد من الأوبئة في ذلك العصر وأنشئت مستشفيات عدة.

*الضغط الدولي:
لما جاءت البعثة الإنجليزية "كيف" (Steven Cave) إلى مصر، لحظت فرنسا من إيفاد الحكومة الإنجليزية إياها أنها تريد الاستئثار بالنفوذ لدى الخديوي إسماعيل، ولم تكن إنجلترا ترمي إلى النفوذ المالي فقط، بل كانت تقصد إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو التدخل السياسي، فنشط التنافس بين النفوذ الإنجليزي والنفوذ الفرنسي، ووصل هذا التنافس إلى حاشية إسماعيل وبلاطه، ففريق كان ينقاد إلى نفوذ الإنجليز، وفريق آخر كان يميل إلى النفوذ الفرنسي، وهذا يدل على مبلغ الضعف السياسي الذي تغلغل في كيان الحكومة بسبب الارتباك المالي، ولا شك فالمال هو عصب النفوذ السياسي.

احتدام التنافس الفرنسي الإنجليزي للاستئثار بالخديوي اسماعيل:
اعتزمت الحكومة الفرنسية أن تعارض مسعى الحكومة الإنجليزية بمسعى مثله، فأوفدت هي أيضا
أحد موظفيها، وهو المسيو فييه (Villet) ليعاون إسماعيل على تنظيم ماليته، فكانت ترمي بذلك إلى أن لا تنفرد الحكومة الإنجليزي بالتدخل في شئون مصر، فقدم مشروعا أبدى إسماعيل ميله إلى الأخذ به، فاستاءت الحكومة الإنجليزية من رجحان كفة النفوذ الفرنسي، وعارضت عمل إسماعيل بضربه آلمته كانت على اتفاق معه أن لا تذيع تقرير لجنة (كيف) حتى لا يسوء مركزه المالي، فلما رأت منه ميلاً إلى أتباع المشورة الفرنسية لوّحت بأنها ستنشر التقرير، فلما احتجّ إسماعيل على إذاعته أوعزت إلى أحد نواب البرلمان البريطاني أن يسأل متى ينشر التقرير؟ فكان جواب رئيس الوزارة البريطاني دزرائيلي (Benjamin Disraeli) لا يعارض نشره وأن الخديوي هو الذي يمانع في ذلك، فكان هذا الجواب أشد وطأة من نشر التقرير، لأنه ترك الأذهان تعتقد سوء حالة المالية المصرية، وأدى ذلك إلى نزول أسعار السندات المصرية نزولاً هائلاً.

عزله عن الحكم:
أدت النزعة الاستقلالية للخديوي إسماعيل في حكم مصر إلى قلق السلطان العثماني، بالإضافة إلى الأطماع الإستعمارية لكل من إنجلترا وفرنسا في مصر، وتحت ضغط كل من قنصلي إنجلترا وفرنسا على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، أصدر فرماناً بعزل الخديوي إسماعيل في 26 يونيو 1879، وبُعث إلى مصر عن طريق التلغراف، وجاء نص الفرمان الذي ورد من الآستانة كالتالي: (إلى سمو إسماعيل باشا خديوي مصر السابق، إن الصعوبات الداخلية والخارجية التي وقعت أخيراً في مصر قد بلغت من خطورة الشأن حداً يؤدي استمراره إلى إثارة المشكلات والمخاطر لمصر والسلطنة العثمانية، ولما كان الباب العالي يرى أن توفير أسباب الراحة والطمأنينة للأهالي من أهم واجباته ومما يقضيه الفرمان الذي خولكم حكم مصر، ولما تبين أن بقاءكم في الحكم يزيد المصاعب الحالية، فقد أصدر جلالة السلطان إرادته بناء على قرار مجلس الوزراء بإسناد منصب الخديوية المصرية إلى صاحب السمو الأمير توفيق باشا، (الإبن الأكبر للخديوي اسماعيل)، وأرسلت الإرادة السنية في تلغراف آخر إلى سموه بتنصيبه خديوياً لمصر، وعليه أدعو سموكم عند تسلمكم هذه الرسالة إلى التخلي عن حكم مصر احتراماً للفرمان السلطاني).
وقد سافر إسماعيل بعد ثلاثة أيام إلى نابولي بإيطاليا، ثم انتقل بعدها للإقامة في الأستانة.

الوفاة:
توفي في 2 مارس 1895، عن عمر 64 عاما، في قصر إميرجان في إسطنبول الذي كان منفاه أو محبسه بعد إقالته.
وقد نقل رفاته إلى القاهرة ليدفن في مسجد الرفاعي، مع باقي أفراد الأسرة العلوية المدفونين هناك.
وتم نحت تمثال له من صنع الفنان الإيطالي بييترو كانونيكا، وأزاح الستار عنه الملك فاروق في 4 ديسمبر 1938 في مكانه الأصلي بميدان المنشية أمام الموقع الأول لقبر الجندي المجهول بالإسكندرية إلى أن نُقل بعد ذلك، وهو مقام حاليًا في ميدان الخديوي إسماعيل بكوم الدكة بالإسكندرية، وكان التمثال هدية من الجالية الإيطالية بالإسكندرية تقديرًا لاستضافة مصر للملك فيكتور عمانويل الثالث آخر ملوك إيطاليا بعد الإطاحة به عن عرشه.

15 زوجة ومستولدة للخديوي اسماعيل:
كان للخديوي اسماعيل 6 زوجات و9 مستولدات، أنجب منهن 8 أولاد، و4 بنات.
ومن أولاده، تولى 3 حكم مصر، وهم: الخديوي توفيق، والسلطان حسين كامل، ثم السلطان فؤاد الأول، الذي أعلن نفسه بعد ذلك ملكا على مملكة مصر، وجاء من بعده ابنه فاروق الأول كآخر ملوك مصر وحاكم من الأسرة العلوية.