استراتيجية الردع الهندية.. محادثات حدودية مع الصين وصفقات تسليح روسية كبرى

تسعى الهند في المرحلة الراهنة إلى تحقيق توازن دقيق بين مسارين متوازيين: التهدئة الحدودية مع الصين من جهة، وتعزيز قدراتها العسكرية بالتعاون مع روسيا من جهة أخرى، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتغيرات موازين القوى في آسيا.
النزاع الحدودي الهندي–الصيني.. تصعيد مستمر خلف ستار التهدئة
صرّح وزير الدفاع الهندي، راجناث سينغ، أن نيودلهي تتطلع إلى "حل دائم" للنزاع الحدودي المزمن مع الصين، مشدداً على أهمية وضع خارطة طريق لخفض التصعيد وتعزيز التواصل المستدام بين الطرفين. جاء هذا التصريح خلال لقائه نظيره الصيني دونغ جون على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون، حيث أعاد التأكيد على ضرورة تفعيل الآليات الثنائية القائمة لتسوية قضايا ترسيم الحدود.
وتعكس هذه التصريحات تحركاً دبلوماسياً حذراً من قبل الهند، لا سيما بعد التوترات العنيفة التي اندلعت عام 2020 في منطقة لاداخ، والتي شكلت نقطة تحول في العلاقات الثنائية. وعلى الرغم من الانفراج النسبي في الخطاب الرسمي، إلا أن جذور الخلاف ما زالت عميقة، والتطورات الميدانية تعكس هشاشة الوضع، ما يدفع الهند لتبني استراتيجيات مزدوجة تجمع بين التهدئة الظاهرية والتحصين الاستراتيجي.
وقد أكد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في وقت سابق أن "الوضع عاد إلى طبيعته" على الحدود، داعياً إلى تعزيز العلاقات مع الصين. لكن هذا التصريح لا ينفصل عن حسابات سياسية داخلية وخارجية، وخصوصاً في ظل انشغال الصين بقضايا إقليمية ودولية أخرى، ما يمنح الهند هامشاً للتفاوض من موقع أكثر قوة.
الشراكة الدفاعية مع روسيا.. تحالف قديم بروح جديدة
بالتوازي مع جهودها الدبلوماسية، تواصل الهند تعزيز قدراتها العسكرية عبر توثيق التعاون مع روسيا، حليفها التاريخي منذ الحرب الباردة. وقد ناقش وزير الدفاع الهندي مع نظيره الروسي أندريه بيلوسوف مجموعة من الملفات الدفاعية الاستراتيجية، تشمل استيراد أنظمة الدفاع الجوي S-400، وتحديث مقاتلات سوخوي Su-30MKI، وشراء معدات عسكرية حيوية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه الهند نقصاً حاداً في أسطول مقاتلاتها، وتسعى إلى سد الفجوة بشراء 12 مقاتلة جديدة من روسيا، لتعويض الخسائر الناجمة عن الحوادث التشغيلية.
الهند لا تزال تعتمد بشكل كبير على الترسانة العسكرية الروسية، إذ تُقدّر نسبة المعدات الروسية أو السوفييتية في الجيش الهندي بنحو 60 إلى 70%. وقد تحولت العلاقة بين الجانبين من مجرد بائع ومشترٍ إلى تعاون في التصنيع والإنتاج المشترك، كما يتضح من منح موسكو لنيودلهي تراخيص إنتاج دبابات T-90 ومقاتلات SU-30 ومروحيات وأنظمة دفاعية متنوعة.
وفيما تنتقد قوى غربية استمرار هذا التعاون، تواصل نيودلهي تبني سياسة خارجية مستقلة، ترى في الشراكة مع موسكو عنصراً حاسماً في تحقيق توازن الردع مع الصين، دون الانجرار إلى التحالفات العسكرية الغربية بشكل كامل.
البعد الاقتصادي والأبعاد الجيوسياسية
الهند تستورد من روسيا بضائع بقيمة 60 مليار دولار سنوياً، بينما لا تتجاوز صادراتها إلى موسكو 5 مليارات، ما يعكس اختلالاً تجارياً لكنه لا يحد من أهمية العلاقة الاستراتيجية. وفي ظل العقوبات الغربية على روسيا، تحرص الأخيرة على تعميق شراكاتها الاقتصادية مع شركاء آسيويين، ما يفتح للهند فرصاً جديدة لتأمين احتياجاتها الدفاعية والطاقوية خارج ضغوط الغرب.
التحالف الدفاعي بين روسيا والهند يمثل ورقة ضغط مهمة تستخدمها نيودلهي في إطار سياسات الردع الاستراتيجي تجاه بكين، خصوصاً أن روسيا تحافظ في الوقت ذاته على علاقات قوية مع الصين، ما يمنح موسكو موقع الوسيط المحتمل في حال تدهور الأوضاع بين الجانبين.