تصعيد ميداني واسع في طولكرم والخليل.. سياسة الأرض المحروقة والتطهير الممنهج في الضفة الغربية

يشهد المشهد الفلسطيني في الضفة الغربية تصعيدًا ميدانيًا خطيرًا تقوده قوات الاحتلال الإسرائيلي، يعكس تحولًا نوعيًا في أدوات القمع والاستيطان، يجمع بين الآلة العسكرية الثقيلة، والحصار الممنهج، والتنكيل الجماعي، والتدمير البيئي والاقتصادي، في إطار سياسة متكاملة تقوم على فرض السيطرة بالقوة، وعزل المدن والبلدات الفلسطينية عن محيطها وامتدادها الحيوي.
طولكرم – نموذج لسياسة الأرض المحروقة
مع بزوغ فجر الجمعة، أطلقت قوات الاحتلال عملية عسكرية موسعة في محافظة طولكرم، طالت بلدات متعددة في الجهة الشرقية والشمالية، وترافقت مع عمليات اقتحام عنيفة، مداهمات منازل، تخريب ممتلكات، واعتقالات عشوائية. واستخدمت خلالها القوات الإسرائيلية الجرافات والآليات الثقيلة، ما يعكس طابعًا عقابيًا جماعيًا يستهدف البيئة المدنية والبنية التحتية.
في بلدة بلعا، قامت قوات الاحتلال بخلع أبواب المنازل، تخريب المحتويات، تكسير المركبات، وتحويل المنازل إلى ثكنات عسكرية عبر نشر القناصة على الأسطح بعد إخلاء سكانها بالقوة. وامتدت هذه السياسة إلى عنبتا وكفر رمان، حيث انتشرت فرق المشاة بشكل مكثف وسط عمليات تمشيط وتفتيش.
وفي بلدة عتيل شمال المحافظة، أعادت القوات سيناريو الاستيلاء على المنازل وتحويلها إلى مواقع عسكرية، ورافقتها الجرافات التي عملت على تجريف الشوارع وإغلاقها بالسواتر الترابية، وعزل البلدة عن محيطها، في صورة تعكس استهدافًا ممنهجًا للبنية التحتية.
كما داهم الاحتلال المحال التجارية، خلع أبوابها، وأتلف محتوياتها تحت غطاء كثيف من قنابل الصوت، في استعراض واضح للقوة العسكرية، بعيدًا عن أي مبرر أمني مباشر.
ولم يكن العدوان منفصلًا عن سياق أوسع، فقد جاء ضمن الحملة العسكرية المستمرة منذ أكثر من 145 يومًا على طولكرم ومخيميها – طولكرم ونور شمس – والتي خلفت دمارًا واسعًا في الممتلكات، وأرهقت الأهالي تحت وطأة الحصار والدمار الممنهج.
الخليل – حملة اعتقالات واسعة تطال القاصرين
في الجنوب، شهدت محافظة الخليل حملة اعتقالات هي الأكبر خلال يوم واحد منذ أشهر، حيث طالت 30 مواطنًا في أنحاء مختلفة من المحافظة، بما في ذلك أطفال قُصّر لا تتجاوز أعمارهم 17 عامًا، ما يُعدّ خرقًا صارخًا لقواعد القانون الدولي الإنساني.
اللافت أن الاعتقالات رافقها اعتداء جسدي مباشر على عدد من المعتقلين، إضافة إلى تخريب متعمد للمنازل ومحتوياتها. وقد شملت بلدات مثل حلحول، دورا، إذنا، الظاهرية، مدينة الخليل نفسها، مما يكشف عن حملة ذات طابع شامل تمس نسيج المجتمع وعمقه العائلي.
إلى جانب الاعتقالات، أقامت قوات الاحتلال عشرات الحواجز العسكرية وأغلقت مداخل المدن والبلدات بالبوابات الحديدية والمكعبات الإسمنتية والسواتر، لتفرض شكلًا جديدًا من العزل الجغرافي يقوّض حركة الفلسطينيين ويزيد من تفتيت الضفة.
سنجل – الجريمة البيئية والتمدد الاستيطاني
وفي الشمال، يواصل المستوطنون أعمال التجريف واقتلاع أشجار الزيتون في بلدة سنجل شمال رام الله، لليوم الثالث على التوالي، تحت حماية من قوات الاحتلال. وقد طالت العمليات أكثر من 10 دونمات من الأراضي الزراعية التي تضم أشجار زيتون معمرة تعود إلى العصر الروماني، في تدمير متعمد للهوية البيئية والزراعية للمكان.
المقلق أن الاعتداءات لا تقتصر على تدمير الأشجار بل تشمل حرمان الأهالي من فرصة إنقاذها بإعادة زراعتها، ما يعكس إصرارًا على محو ذاكرة المكان. وتتزامن هذه الانتهاكات مع إقامة بؤر استيطانية جديدة، منها ما بدأ منذ أيام عبر إنشاء غرف خشبية في منطقة جبل التل، إلى جانب الاستيلاء العسكري الرسمي على أراضٍ جديدة لتعديل مسار الجدار العنصري، ضمن خطة توسعية واضحة.
نحو خريطة ضغط متكاملة
يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يعيد رسم خريطة الضفة الغربية عبر مزيج من:
العسكرة والعزل: توسيع الثكنات داخل المناطق المدنية.
الهدم والتجريف: تدمير البنية التحتية والبيئة الزراعية.
الاعتقال والترهيب: تصعيد في حملات الاعتقال الجماعي، يشمل القاصرين.
الاستيطان الزاحف: فرض وقائع على الأرض عبر الاستيلاء وبناء البؤر الاستيطانية.
كل ذلك يجري تحت ستار "الأمن"، لكنه في جوهره يعكس سياسة تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وإعادة هندستها ديمغرافيًا ومكانيًا بما يخدم مشاريع الضم والتوسع.