قمة السبع في كندا.. تصعيد الشرق الأوسط يفضح الانقسام الغربي وتناقضات القيادة الأميركية

تنعقد قمة مجموعة الدول السبع الكبرى هذا الأسبوع في مدينة كاناناسكيس الكندية، وسط سياقات دولية شديدة التوتر، يأتي في مقدمتها التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، والتوترات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة وشركائها، فضلاً عن تداخل ملفات النزاع الإيراني-الإسرائيلي مع الحرب الروسية على أوكرانيا.
أولاً: قمة تبحث عن إجماع مفقود
تأتي القمة بمشاركة قادة الولايات المتحدة، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، واليابان، في محاولة لتنسيق المواقف إزاء قضايا حساسة تتداخل فيها الجغرافيا السياسية مع الأمن الإقليمي والاقتصاد العالمي. غير أن هذه القمة، التي تستمر ثلاثة أيام، تواجه صعوبة في إنتاج مواقف موحدة، في ظل تباين الرؤى واصطدام المصالح، خاصة بعد تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران منذ تنفيذ الجيش الإسرائيلي ضربات استهدفت مواقع نووية وعسكرية في العمق الإيراني.
ورغم سعي رئيس الوزراء الكندي مارك كارني إلى تهدئة الخلافات وتقديم القمة كمنصة لتقريب وجهات النظر، إلا أن الانقسامات برزت سريعًا، لا سيما في ما يتعلق بكيفية مقاربة التصعيد الأخير بين طهران وتل أبيب.
ثانيًا: مواقف متباينة حيال التصعيد الإيراني-الإسرائيلي
أظهرت القمة مروحة واسعة من المواقف تجاه التصعيد الأخير. ففي حين أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب دعمه غير المشروط للضربات الإسرائيلية، معتبرًا أن "التسوية" تبقى الخيار الأمثل، شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على ضرورة الاحتكام إلى الدبلوماسية، مشيرة إلى أن "إيران يجب ألا تمتلك سلاحًا نوويًا"، لكن دون المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار.
فرنسا، من جانبها، طالبت طهران بضبط النفس والعودة إلى المفاوضات النووية، محملة إيران مسؤولية التصعيد، فيما اتخذت اليابان موقفًا مغايرًا، إذ أدانت الضربات الإسرائيلية ووصفتها بأنها "مؤسفة وغير مقبولة"، في موقف يعكس حساسيتها التاريخية حيال النزاعات النووية.
ثالثًا: أجندة اقتصادية مشحونة.. والحمائية الأميركية
إلى جانب الملفات الأمنية، تَحْضُر القضايا الاقتصادية بقوة، خاصة في ظل تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية شاملة على الدول الحليفة والخصوم على حد سواء، اعتبارًا من يوليو المقبل، في محاولة منه لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي بما يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة.
وقد عبّرت فون دير لاين عن قلقها إزاء الاتجاهات الحمائية، داعية إلى الحفاظ على تجارة عادلة ومنفتحة، مشددة على ضرورة تفادي الانزلاق نحو سياسات انغلاق اقتصادي.
رابعًا: تقاطع المسارات.. من طهران إلى كييف
في تطور لافت، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية إلى ربط النزاع الإسرائيلي-الإيراني بالحرب في أوكرانيا، مشيرة إلى أن المسيّرات والصواريخ الباليستية الإيرانية تُستخدم في استهداف مدن في كل من إسرائيل وأوكرانيا. وتطرح هذه المقاربة تحديًا جديدًا يتمثل في إمكانية مقاربة هذه النزاعات المتفرقة باعتبارها جزءًا من شبكة تهديدات متصلة، لا مجرد أزمات إقليمية منفصلة.
وحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القمة، يمثل محاولة لتعزيز الدعم الغربي، خصوصًا من إدارة ترمب التي لا تزال تحتفظ بعلاقات ضبابية مع روسيا. ويبدو أن ترمب لا يمانع في أن يؤدي بوتين دور الوسيط بين إيران وإسرائيل، في خطوة أثارت تحفظات الأوروبيين، خاصة الرئيس الفرنسي ماكرون الذي استبعد إمكانية لعب بوتين هذا الدور "بأي شكل من الأشكال".
خامسًا: كندا بين الجغرافيا والدبلوماسية
تحضر كندا هذه القمة بثقل الدولة المضيفة، وسجلها المتوتر مع ترمب منذ قمة 2018 التي شهدت هجومًا مباشرًا منه على رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو. ومع تولي مارك كارني رئاسة الحكومة، ظهرت مؤشرات على تحسّن في العلاقات، لكنها لا تزال محكومة بالحذر، في ظل ما يصفه البعض بتهكم ترمب على كندا حين قال إنها "ستكون أفضل حالاً لو أصبحت الولاية الحادية والخمسين في الاتحاد".
في ظل هذا المشهد المعقّد، لا يُتوقع أن يصدر عن القمة بيان مشترك يتناول الخلافات الجوهرية، لا بشأن إيران، ولا الحرب في أوكرانيا، بل يُرجّح الاكتفاء بإصدار بيانات متفرقة تتناول قضايا أقل إثارة للجدل، مثل سلاسل التوريد وتحولات المناخ، في محاولة لحفظ الحد الأدنى من الإجماع بين الحلفاء.