الغرب يعرض التهدئة وطهران ترفض.. مأزق جديد في المفاوضات النووية

في ظل تصاعد خطير للأزمة بين إسرائيل وإيران، ومع تواصل الضربات المتبادلة لليوم الثالث، تحركت القوى الأوروبية الكبرى بقيادة ألمانيا لمحاولة احتواء التوتر وإحياء المسار الدبلوماسي المتعثر بشأن الملف النووي الإيراني.
وزير الخارجية الألماني، يوهان فادفول، أعلن من سلطنة عمان أن بلاده، إلى جانب فرنسا وبريطانيا، على استعداد فوري للدخول في مفاوضات مع طهران بشأن برنامجها النووي. تصريحات فادفول التي أطلقت في مقابلة مع هيئة الإذاعة الألمانية ARD جاءت في وقت بالغ الحساسية، حيث شدد على أن هذه المفاوضات ضرورية لوقف التصعيد، ولمنع إيران من أن تصبح تهديدًا للمنطقة، أو لإسرائيل، أو حتى لأوروبا.
ضغوط دولية
فادفول أوضح أيضاً أن التصعيد الحالي لا يمكن إنهاؤه إلا من خلال ضغوط دولية متزامنة تُمارَس على كلا الطرفين – طهران وتل أبيب – مشيراً إلى أن هناك "توقعات مشتركة" بضرورة بذل جهد حقيقي خلال أسبوع لكبح العنف المتصاعد. وفي رد على سؤال حول ما إذا كان الهدف الإسرائيلي هو إسقاط النظام الإيراني، نفى الوزير الألماني ذلك بوضوح، معتبرًا أن نية تل أبيب لا تتجه نحو هذا المسار.
لكن المبادرة الأوروبية تعثرت حتى قبل أن تبدأ. وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، الذي تلعب بلاده دور الوسيط التقليدي بين طهران وواشنطن، أعلن عن إلغاء جولة المفاوضات النووية التي كانت مقررة في مسقط يوم الأحد. هذا التطور جاء بعد تنفيذ إسرائيل هجمات على منشآت نووية إيرانية واغتيال قيادات عسكرية بارزة، وهو ما دفع بطهران إلى الرد وإشعال جولة جديدة من التوتر الإقليمي.
وفي هذا السياق، أكدت طهران، عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي، أن استئناف المحادثات مع واشنطن بات "غير ذي معنى". واتهم بقائي الولايات المتحدة بالتواطؤ غير المباشر، قائلًا إن "السماح لإسرائيل باستهداف الأراضي الإيرانية" يُفرغ أي حديث عن التفاوض من مضمونه. كما حمّل واشنطن مسؤولية التأثير السلبي على مسار الدبلوماسية، معتبراً أن الهجوم الإسرائيلي لم يكن ليحدث دون غطاء أميركي.
على الجانب الأميركي، سارع الرئيس دونالد ترامب إلى نفي أي دور للولايات المتحدة في الهجوم، مؤكدًا عبر منصته "تروث سوشيال" أن واشنطن "لم تكن لها أي علاقة بما جرى الليلة في إيران"، ومضيفاً بتحذير شديد اللهجة أن أي استهداف أميركي سيقابل بـ"رد عسكري غير مسبوق". ومع ذلك، ألمح ترامب إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل يُنهي النزاع الدموي بين إيران وإسرائيل، مشيراً إلى أنه "من السهل الوصول إليه".
تشابك بالغ التعقيد
المشهد الراهن يعكس تشابكًا بالغ التعقيد في المواقف. فبينما تسعى أوروبا لتفعيل أدوات التهدئة عبر الدبلوماسية، تتشبث طهران بموقفها الرافض، مدفوعة بتصعيد ميداني اعتبرته تجاوزًا خطيرًا للخطوط الحمراء. أما واشنطن، فتبدو حريصة على النأي بنفسها عن المواجهة المباشرة، لكنها لا تُخفي انحيازها الاستراتيجي لحليفتها إسرائيل.
الرهان الأوروبي على تحريك عجلة التفاوض يبدو في مأزق حقيقي، ما لم تُتخذ خطوات فعالة لوقف التصعيد الميداني أولًا. وفي حال استمرار التوتر دون تدخل دولي حاسم، فإن المنطقة قد تكون مقبلة على مرحلة أشد اضطرابًا، تُجهض ما تبقى من المسارات السياسية وتعيد سيناريوهات الحرب الباردة إلى واجهة الشرق الأوسط.