كوريا الشمالية والتصعيد النووي الصامت.. قراءة في صور الأقمار الصناعية ومأزق الحوار الإقليمي

في تطوّر جديد ينذر بتصعيد نوعي في ملف كوريا الشمالية النووي، كشفت صور التقطتها الأقمار الاصطناعية عن إنشاء مبنى جديد داخل مجمع "يونجبيون" النووي الرئيسي. التحليل الأولي للصور، الذي أجراه خبير الأسلحة النووية جيفري لويس بالتعاون مع الباحث سام لير، يشير إلى أن الهيكل الجديد يشبه في تصميمه وخصائصه منشأة التخصيب المعروفة في "كانجسون"، ما يعزز احتمال أن يكون هذا المبنى منشأة تخصيب يورانيوم جديدة.
هذا الاكتشاف يضيف مزيداً من التعقيد إلى المشهد الأمني في شبه الجزيرة الكورية، إذ يتزامن مع تسلم الرئيس الكوري الجنوبي الجديد لي جاي ميونج منصبه، حاملاً وعودًا باستئناف الحوار مع بيونج يانج، رغم أن مؤشرات الاستجابة من الجانب الشمالي لا تزال غامضة، خاصة في ظل تقارب الزعيم الكوري كيم جونج أون المتزايد مع موسكو منذ توقيعه اتفاقية عسكرية مع روسيا العام الماضي.
التهديد الصامت: تزايد القدرات النووية
إن إنشاء منشأة تخصيب جديدة، إن تأكد، يشير إلى مساعٍ متواصلة من بيونج يانج لتعزيز ترسانتها النووية، بما يتجاوز قدرات الردع التقليدية إلى بناء قوة هجومية يمكن أن تُستخدم كورقة ضغط استراتيجية في المواجهات الدولية. وكان الزعيم الكوري قد أعلن العام الماضي عزمه على تطوير القدرات النووية "بلا حدود"، في مواجهة ما وصفه بـ"التهديدات المتزايدة" من الولايات المتحدة وحلفائها.
منذ مطلع هذا العام، كرّر كيم رسائله النووية عبر زيارات ميدانية لمنشآت إنتاج المواد الانشطارية، مؤكدًا أهمية "تعزيز الدرع النووي"، في الوقت الذي لم تخفِ فيه واشنطن وطوكيو وسيول قلقها من إمكانية إجراء تجربة نووية جديدة، قد تكون السابعة في تاريخ البرنامج الكوري الشمالي، والرابعة في عهد كيم.
البُعد الدولي: موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية
أثارت هذه التحركات انتباه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث أشار المدير العام رافائيل جروسي، في تقرير مرفوع إلى مجلس المحافظين، إلى متابعة دقيقة لبناء المنشأة الجديدة في يونجبيون، مستندًا إلى تطابق الأبعاد والخصائص مع منشآت تخصيب أخرى معروفة.
ورغم أن كوريا الشمالية انسحبت رسميًا من معاهدة الحد من الانتشار النووي (NPT) عام 2003، ولا تسمح للوكالة بإجراء عمليات تفتيش، إلا أن نشاطها يُرصد عن كثب عبر صور الأقمار الاصطناعية وتحليلات خبراء التسلح.
تعثّر الحوار وتحالفات جديدة
يأتي هذا التصعيد النووي في لحظة سياسية حساسة، حيث تبدو قنوات الحوار بين بيونج يانج وسيول شبه مغلقة. ورغم إعلان الرئيس الكوري الجنوبي الجديد عن رغبته في استئناف المفاوضات، فإن المؤشرات من الشمال لا تدعو للتفاؤل. فالتقارب المتزايد بين كوريا الشمالية وروسيا، خاصة بعد الاتفاقية العسكرية الأخيرة، قد يمنح بيونج يانج غطاءً استراتيجيًا يعزز موقفها المتشدد تجاه الغرب.
وفي المقابل، تعمل سيول وواشنطن على تكثيف التعاون الاستخباراتي والتنسيق العسكري، فيما تواصل اليابان كذلك تعزيز قدراتها الدفاعية، ما يشير إلى سباق تسلح غير معلن يتصاعد في المنطقة.
نحو أزمة قادمة؟
رغم غياب التفجيرات النووية أو التصريحات النارية في هذا التطوّر، إلا أن ما تكشفه صور الأقمار الصناعية يحمل في طياته تهديدًا أكثر خطورة: التدرج الهادئ في بناء قدرة نووية هجومية تزداد تعقيداً كلما طال أمد الصمت الدولي أو التعثر الدبلوماسي.
الأسابيع المقبلة ستُظهر إن كانت هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة من التحدي الكوري الشمالي للمجتمع الدولي، أم أنها مجرد ورقة تفاوضية جديدة ضمن لعبة شد الحبل المتواصلة منذ أكثر من عقدين.