طهران ترفض تقرير الوكالة الدولية وتحذّر من استغلاله سياسيًا

تشهد العلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية تصعيدًا جديدًا بعد صدور تقريرين عن الوكالة يتهمان طهران بتسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تقترب من الاستخدام العسكري، وبالاحتفاظ ببرنامج نووي غير معلن في عدد من المواقع التي لم يتم التصريح بها سابقًا. يأتي هذا في سياق تدهور متواصل في الثقة بين إيران والدول الغربية، وسط تحذيرات متبادلة، وتلويحات بخيارات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية قد تعيد الأزمة إلى الواجهة الدولية بقوة.
مضمون الاتهامات الدولية
في تقريرها السري الموجه إلى الدول الأعضاء، أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران زادت من وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصب إلى مستويات تُعد قريبة من تلك المطلوبة للاستخدام في الأسلحة النووية. كما أعادت الوكالة التذكير بأن ثلاثة مواقع تخضع للتحقيق منذ سنوات أظهرت آثاراً لليورانيوم المُنتج صناعياً، ما يعزز من شكوك الدول الغربية في وجود برنامج نووي عسكري إيراني سري حتى عام 2003.
إحدى هذه المواقع – تورقوزآباد – تم الكشف عنها لأول مرة عام 2018 عندما عرضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة، واصفًا إياه بـ"مخزن نووي مخفي تحت ستار منشأة لغسيل السجاد". التقرير الشامل، الذي أعده المدير العام للوكالة رافائيل جروسي، يصف تعاون إيران في هذا الملف بأنه "أقل من المستوى المرضي"، ويؤكد أن غياب التوضيحات "يدفع الوكالة إلى الاعتقاد بوجود برنامج نووي غير مُعلن".
الرد الإيراني والتفسير السياسي
في المقابل، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية بيانًا مشتركًا يتهم الدول الغربية باستخدام الملف النووي كأداة سياسية للضغط على طهران. البيان أشار إلى أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة انتهكت الاتفاق النووي المبرم عام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) وكذلك قرار مجلس الأمن 2231، من خلال فرض عقوبات أحادية غير قانونية، بحسب وصف طهران.
كما حذرت إيران من "اتخاذ إجراءات حاسمة" إذا استمرت ما تصفه بـ"إساءة استخدام التعاون مع الوكالة الدولية"، مشيرة إلى أن التقرير هدفه "إثارة أجواء سياسية مصطنعة".
التحقيق في المواقع الأربعة
تورقوزآباد، فارامين، ومريوان: هذه المواقع الثلاثة حددتها الوكالة كمراكز لأنشطة نووية مشتبه بها، وتمكنت فرق التفتيش من أخذ عينات فيها عام 2020، بعد مماطلة إيرانية، وتأكد وجود جسيمات من اليورانيوم الصناعي.
لافيزان-شيان: هو موقع رابع لم يُعلن سابقًا ويُعتقد أنه كان جزءاً من البرنامج النووي حتى تم هدمه بعد عام 2003، ما حال دون دخول المفتشين إليه.
السيناريوهات المحتملة
وفقًا لشبكة CBS News، فإن التقرير الشامل قد يكون بمثابة أرضية قانونية ودبلوماسية لتفعيل آلية إعادة فرض العقوبات (snapback)، وهي العقوبات التي تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي الأصلي في 2015، وذلك مع اقتراب موعد انتهاء الاتفاق في أكتوبر المقبل.
هذا الاحتمال يعزز من خطر الانزلاق إلى أزمة أوسع، خصوصاً أن الولايات المتحدة، برئاسة دونالد ترمب، تبدو مترددة في الضغط العسكري المباشر، إذ كشف ترمب عن طلبه من نتنياهو تأجيل أي ضربة عسكرية ضد إيران لإتاحة فرصة للتفاوض، في وقت تبدي فيه إسرائيل قلقًا واضحًا من احتمالات تراجع الضغط الدولي على طهران.
الوضع الحالي يضع المجتمع الدولي أمام مفترق طرق: فإما العودة إلى مسار تفاوضي جديد يراعي تعقيدات المرحلة الراهنة والمستجدات التقنية النووية، أو التوجه نحو تصعيد متعدد الأبعاد (عقوبات، عزل دبلوماسي، وربما عمليات عسكرية دقيقة)، قد يُشعل جبهة جديدة في الشرق الأوسط، في ظل التوترات المتفاقمة أصلًا في غزة وسوريا واليمن.
الملف النووي الإيراني عاد إلى الواجهة بقوة، ليس فقط كقضية تتعلق بتخصيب اليورانيوم، بل كاختبار حقيقي لقدرة النظام الدولي على احتواء الطموحات النووية من دون إشعال حرائق جديدة.