ساعات حاسمة في الخرطوم.. حل الحكومة السودانية والتشكيل الجديد بعد العيد

في خطوة بالغة الأهمية في سياق الأزمة السياسية المعقدة التي يعيشها السودان، أدى الدكتور كامل الطيب إدريس اليمين الدستورية رئيسًا جديدًا للوزراء أمام رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في وقت تُعد فيه البلاد في أشد لحظاتها هشاشة سياسية واقتصادية منذ سقوط نظام البشير في 2019.
وأكدت مصادر رفيعة أن إدريس بصدد إصدار قرار بحل الحكومة المكلفة خلال ساعات، تمهيدًا لبدء مشاورات تشكيل حكومة جديدة، يُتوقع أن ترى النور بعد عطلة عيد الأضحى. هذه الخطوة تعكس إدراكاً مبكراً من رئيس الوزراء الجديد لصعوبة استمرار الوضع الحالي، وضرورة إعادة صياغة السلطة التنفيذية بما يتلاءم مع طبيعة المرحلة الانتقالية المعقدة.
تحديات محورية أمام الحكومة المرتقبة
من أبرز التحديات التي تواجه إدريس هي التخلص من إرث المحاصصة الحزبية الذي طغى على الحكومات الانتقالية السابقة، واستبداله بنموذج حكومي يستند إلى الكفاءة المهنية والاستقلال السياسي. هذه المهمة لا تبدو سهلة في ظل وجود قوى مسلحة وقوى سياسية مؤثرة لا تزال تطالب بنصيبها من السلطة.
وأوضحت المصادر أن التوجه العام لإدريس لن يذهب نحو إعادة تشكيل جذري للحكومة، بل سيكون أقرب إلى تعديل وزاري محسوب، يُبقي على تمثيل الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، مثل "الحركة الشعبية" بقيادة مالك عقار، و"تحرير السودان" بزعامة مني أركو مناوي، و"العدل والمساواة" التي يقودها جبريل إبراهيم.
في المقابل، نفت الدوائر الرسمية ما راج من تكهنات بشأن إمكانية إشراك جماعات مسلحة غير موقعة على اتفاق جوبا، مثل "درع السودان" و"فيلق البراء بن مالك"، في التشكيل الجديد، في مسعى لإبعاد شبهة التبعية الأيديولوجية أو العسكرية عن حكومة إدريس.
من هو كامل إدريس؟
كامل إدريس ليس وجهًا سياسيًا تقليديًا في المشهد السوداني، لكنه يحمل سيرة أكاديمية ومهنية لافتة. وُلد عام 1954 في قرية الزورات شمال دنقلا، وينتمي إلى مجتمع النوبة. نال بكالوريوس الفلسفة من جامعة القاهرة، ثم ليسانس الحقوق من جامعة الخرطوم، قبل أن يحصل على الدكتوراه في القانون الدولي من جنيف، ويجمع في خلفيته بين التكوين القانوني والسياسي والمالي.
اشتهر إدريس عالميًا بمنصبه كمدير عام سابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، وقد عرف عنه استقلاله السياسي رغم علاقاته الواسعة. ويُذكر له دوره المفاجئ عام 1999 في ترتيب لقاء نادر بين الخصمين الصادق المهدي وحسن الترابي في جنيف، ما عكس قدرته على بناء الجسور وسط الانقسامات الحادة.
خريطة الطريق.. بين الواقع والطموح
المرحلة المقبلة ستكشف مدى قدرة إدريس على تحقيق توازن حساس: الوفاء بالتزامات اتفاق السلام، دون الوقوع في فخ المحاصصة، والاستجابة للضغوط الشعبية لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة قادرة على إنقاذ الاقتصاد والخدمات الأساسية، في ظل حالة شبه انهيار تشمل كافة قطاعات الدولة.
يبقى التحدي الأكبر أمامه هو نيل القبول السياسي والعسكري والشعبي، خاصة أنه جاء من خارج السياق التقليدي للقوى الحزبية، وفي لحظة تستشعر فيها النخب السودانية والعالم أجمع فشل النماذج السابقة في إدارة الفترة الانتقالية.
وإذا ما نجح إدريس في مهمته، فقد يصبح أحد المفاتيح النادرة في تاريخ السودان الحديث نحو بناء دولة مؤسسات قائمة على الكفاءة لا الولاء. وإن فشل، فستُضاف حكومته إلى سلسلة من التجارب الانتقالية التي لم تصل إلى برّ الدولة المدنية المستقرة.