اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

«الدعم السريع» تعيد تموضعها في غرب السودان والجيش يُصعِّد جواً

دباباتان متضررتان جراء المعارك أمام مبنى البنك المركزي السوداني في الخرطوم
دباباتان متضررتان جراء المعارك أمام مبنى البنك المركزي السوداني في الخرطوم

تتواصل العمليات العسكرية الميدانية المتبادلة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" على محوري كردفان ودارفور غرب البلاد، وذكرت مصادر عسكرية أن مواجهات كبيرة دارت أمس الأربعاء مع قوات "الدعم" تمكن خلالها الجيش وحلفاؤه من بسط السيطرة على منطقة "السعاتة الزرقاء" بغرب كردفان.

ويواصل الجيش تقدمه على محوري مدينتي المجلد بجنوب كردفان وأبو زبد بغرب كردفان، مضيقاً الخناق أكثر على قوات "الدعم السريع" هناك، في وقت شهد فيه وباء الكوليرا تمدداً واسعاً شمل 12 ولاية من أصل ولايات السودان الـ18. وقضى 70 شخصاً جراء الكوليرا في العاصمة السودانية، على ما أعلن مسؤولو الصحة.

وأعلنت وزارة الصحة في ولاية الخرطوم تسجيل 942 حالة إصابة جديدة و25 وفاة الأربعاء، غداة تسجيل 1177 حالة إصابة و45 الثلاثاء.

وقالت السلطات إن "نسبة الشفاء وسط المصابين بالكوليرا بمراكز العزل بلغت 89 في المئة"، محذرة من أن تدهور الظروف البيئية يؤدي إلى ارتفاع حالات الإصابة.

مزيد من السيطرة

ميدانياً أفادت مصادر محلية بأن قوات الجيش خاضت معارك عنيفة ضد "الدعم السريع" أسفرت عن السيطرة الكاملة على المنطقة الواقعة قرب مدينة أبو زبد في ولاية غرب كردفان.

وأوضحت المصادر أن قيادة الجيش عززت دفاعاتها ووضعت نقاطاً للارتكاز لتأمين المنطقة ومحيطها، وشرعت في تمشيط واسع للغابات والممرات المجاورة لمنع أية محاولات تسلل جديدة.

وكشفت المصادر ذاتها عن أن الطيران الحربي تابع قصفه تجمعات "الدعم السريع" على طريق الصادرات (أم درمان - بار) بشمال كردفان تزامناً مع تقدم قوات الجيش نحو مدينة بارا التي تُعد إحدى أهم نقاط ارتكاز "الدعم السريع" في شمال كردفان، وتقع على طريق الإمداد الرئيس الرابط بين الأبيّض وغرب دارفور.

غارات متواصلة

كذلك شنت المقاتلات الحربية التابعة للجيش أمس الأربعاء، غارات جوية عدة على نقاط تجمع ومتحركات "الدعم السريع" على طول طريق الصادرات الرابط بين الخرطوم وولايات إقليمي كردفان ودارفور.

واستهدفت الضربات الجوية آليات عسكرية ونقاط إسناد وإمداد في مناطق قوز الحاج وود أبو زيد، قرب المقطع المعروف بطريق "أبو زبد – بارا"، وتسببت بخسائر كبيرة في العتاد والأرواح وسط عناصر "الدعم السريع".

منظر لمبنى محترق وذيل طائرة تابعة للخطوط الجوية السودانية وسط الحطام في مطار الخرطوم

تعزيزات وتموضع

ويمثل طريق الصادرات شرياناً حيوياً كانت تعتمد عليه قوات "الدعم السريع" في الحصول على الإمدادات، مما يربك خطوط الإمداد البشرية والمادية ويعرقل حركتها بين كردفان ودارفور.

في المقابل أعلنت "الدعم السريع" أنها عززت قواتها وعتادها وأعادت تموضعها في جبهات القتال الغربية بكل من إقليمي كردفان ودارفور، استعداداً لخوض معارك حاسمة في تلك المحاور.

وذكرت على منصاتها بمواقع التواصل الاجتماعي أن مجموعات من قواتها تحركت لاسترداد مواقعها بإقليم كردفان التي سيطر عليها الجيش في الفترة السابقة.

متحرك الصياد

وذكرت مصادر عسكرية أن "متحرك الصياد" التابع للجيش الذي يقود المعارك في كردفان ودارفور، يواصل تقدمه وأوشك على فك الحصار عن مدينة الدلنج، تمهيداً لفتح الطريق إلى كادقلي عاصمة جنوب كردفان.

وشُكل "متحرك الصياد" في نهاية عام 2023، بهدف استعادة السيطرة على مناطق إستراتيجية في ولايات كردفان ودارفور من قبضة قوات "الدعم السريع".

ويتكون المتحرك من مجموعة قوات عالية الكفاءة القتالية تضم الفرقة 16 مشاة التي انسحبت من مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، والفرقة الخامسة مشاة (الهجانة) في ولاية شمال كردفان، إلى جانب وحدات من جهاز الاستخبارات، كقوة ضاربة متعددة المهام لكل أنواع العمليات العسكرية.

وسبق أن تمكن هذا المتحرك من تحرير مدينتي الرهد وأم روابة وفك حصار مدينة الأبيّض عاصمة شمال كردفان، الذي استمر أكثر من عام في نهاية فبراير الماضي والتحم مع قوات الفرقة الخامسة (الهجانة) بالمدينة. ويعتمد المتحرك على تكتيكات عسكرية تقوم على خفة الحركة والالتفاف أسهمت في انتصاراته العديدة.

تهديد السيطرة

في السياق يرى الباحث الأمني والعسكري، ضوالبيت الدسوقي، أن "انتقال الحرب من الوسط والجنوب إلى دارفور وكردفان في غرب السودان يعني تهديد مناطق سيطرة وتحكم قوات 'الدعم السريع' وقطع إمدادها العسكري والبشري المحلي والعابر للحدود بالعتاد النوعي والعناصر الفنية والمقاتلة، إذ تضعف عوامل صمودها في بيئة الحرب الجديدة، بجانب الإنهاك الشديد الذي تعرضت له قواتها في معارك الوسط".

وأوضح الدسوقي أن "استعادة الجيش السيطرة على نقاط مهمة وإستراتيجية على مسرح العمليات الجديد المفتوح في صحاري وجبال دارفور وسهول ووديان كردفان جعلت تأثير قوات 'الدعم السريع' محصوراً فقط في بعض مدن غرب السودان".

ضمور ميداني

وتابع المتحدث ذاته أنه "بخلاف ما كانت عليه قوات 'الدعم السريع' عند بداية الحرب فقد أصبحت تعاني الآن ضعفاً في القيادات الميدانية، أثّر بصورة واسعة في معنويات الجنود وانعكس ضموراً في أدائها الميداني البري، بخاصة بعد فشل كل محاولاتها لإسقاط الفاشر، واسترداد الجيش منطقة الصالحة جنوب أم درمان، كآخر معاقلها في ولاية الخرطوم".

وأشار الباحث العسكري إلى أن "وجود بعض جيوب 'الدعم السريع' في أم درمان والنيل الأبيض، وتكثيف هجماتها بالطائرات المسيرة على عدد من المدن والمنشآت الخدمية، كان عملاً تكتيكياً هدفه تأخير تحرك الجيش بتشكيلاته المختلفة نحو كردفان دارفور". وأضاف أن "الوضع انقلب عما كان عليه قبل عام وأصبح الجيش الآن هو المهاجم، بينما تحولت قوات 'الدعم السريع' إلى الدفاع عن مناطق سيطرتها، لكنها لن تستطيع استنساخ خطة الجيش الدفاعية الاستنزافية في التحصن وإعادة ترتيب صفوفه، نتيجة الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تعرضت لها".

عمليات اغتصاب

أما في شمال دارفور حيث لا يزال الاحتقان والتوتر يتسيّدان الموقف بخاصة في مدينة الفاشر ومحيطها، وسط أزمة إنسانية متصاعدة، شن الطيران الحربي التابع للجيش الأربعاء سلسلة غارات جوية على مواقع تمركز ميليشيا "الدعم السريع" في محيط المدينة.

وكشفت منظمة "أطباء بلا حدود" عن أن "النساء في ‎دارفور بتن يتعرضن للاغتصاب في وضح النهار، ويواجهن فظائع لا توصف. لكن سبل الحصول على الرعاية شحيحة".

وحذرت المنظمة في منشور على حسابها بمنصة "إكس"، من أن العنف الجنسي أصبح واسع الانتشار إلى درجة مرعبة جعلت كثيراً من الناس يعتبرونه واقعاً لا مفر منه، مردفة "نحن أمام حال طوارئ طبية لا يمكن تجاهلها".

جوع وتهجير

من جانبه تحدث مجلس غرف الطوارئ بشمال دارفور عن تفشٍّ كبير للمجاعة التي تهدد حياة أكثر من مليوني مواطن بالفاشر وضواحيها، مطالباً بتدخل إنساني دولي عاجل لإنقاذ حياة المواطنين.

ودانت "منصة أبناء الفاشر" قرار 'الدعم السريع' بترحيل نازحي الفاشر الموجودين في نيالا قسراً إلى منطقة منواشي مما يمثل انتهاكاً صارخاً لكل القوانين الدولية والإنسانية التي تحمي حقوق النازحين والمدنيين.

وحمّل بيان المنصة، "الميليشيا كامل المسؤولية عن سلامة أرواح هؤلاء المدنيين"، مطالباً "الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الدولية بالتدخل العاجل لمنع هذه الجريمة، وتوفير الحماية الفورية للنازحين".

أبعاد كارثية

صحياً سُجل تضارب كبير في الأرقام المعلنة لحالات الإصابة والوفاة جراء تفشي وباء الكوليرا، فقالت وزارة الصحة بالخرطوم إن عدد الإصابات بالكوليرا بلغ 2729 حالة بينها 172 وفاة خلال أسبوع، بينما ذكرت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، بأن الحالات في مدينة أم درمان وحدها وصلت إلى 1335 إصابة و500 وفاة.

في المقابل كشف بيان لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف)، عن تضاعف حالات الكوليرا في الخرطوم عشرة أضعاف، حيث ارتفعت من 90 حالة إلى 815 حالة يومياً خلال 10 أيام فقط في الفترة من 15 إلى 25 مايو الجاري.

انتشار واسع

أما وزير الصحة السوداني، هيثم محمد إبراهيم، فأوضح أن وباء الكوليرا انتشر بصورة واسعة خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، ووصلت أعداد الإصابات إلى 1000 والوفيات إلى 40 يومياً.

كما أعلن إبراهيم، لدى تفقده مراكز العزل لمرضى الكوليرا بمدينة أم درمان، عن حملة للتطعيم ضد الكوليرا بكل ولايات البلاد المهددة بالوباء خلال يونيو المقبل، مشيراً إلى أن التدخلات العاجلة أدت إلى تقليل نسبة الإصابات بالكوليرا.

تصاعد مقلق

في سياق متصل، رأت اللجنة المركزية للمختبرات الطبية بالسودان، أن "البلاد باتت في قبضة كارثة إنسانية وصحية واسعة النطاق، تتطلب تدخلاً عاجلاً وفورياً من الجميع".

وذكر بيان للجنة أن "الوضع يزداد سوءاً بصورة غير مسبوقة ويهدد أرواح ملايين الأبرياء".