طبيب بريطاني: غزة أصبحت مسلخًا بشريًا

في شهادة صادمة تحمل أبعادًا إنسانية مروعة، وصف الجراح البريطاني الدكتور توم بوتوكار الأوضاع في قطاع غزة بأنها تحوّلت إلى "مسلخ بشري"، نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر والحصار الخانق الذي يفاقم معاناة السكان، داعيًا قادة العالم إلى وقف التصريحات والتحرك الفعلي لإنقاذ ما تبقى من الأرواح.
بوتوكار، الذي يعمل حاليًا في مدينة خان يونس جنوب القطاع، كان من بين الطواقم الطبية في المستشفى الأوروبي على أطراف المدينة، إلا أن المستشفى تعرّض لقصف صاروخي مباشر أُجبر العاملين فيه على الإخلاء، ما أدى إلى إغلاقه بالكامل. ومن هناك، انتقل الطبيب البريطاني إلى مستشفى الأمل، المجاور لمستشفى ناصر، وهما من آخر المؤسسات الطبية القليلة التي ما تزال تعمل في جنوب غزة وسط انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية.
معاناة المدنيين والمرضى
من قلب هذه الكارثة، نقل بوتوكار تفاصيل معاناة المدنيين والمرضى، واصفًا المشهد بأنه مروّع بكل المقاييس، حيث يعاني جميع المرضى من سوء التغذية الحاد، في حين يتعرض الأطفال لأقسى أشكال المعاناة بسبب نقص الماء والغذاء، ما جعلهم فريسة سهلة للأمراض. وأوضح أن الحصار الإسرائيلي شبه الكامل للقطاع يمنع دخول معظم المواد الغذائية والإمدادات الطبية، مما يضاعف الأزمة يومًا بعد يوم.
شبّه الطبيب البريطاني حجم الدمار في خان يونس بما حل بمدينة ستالينغراد الروسية خلال الحرب العالمية الثانية، عندما قصفها النازيون بعنف بالغ، وأسقطوا عليها ألف طن من القنابل، مدمّرين معظم معالمها، في مقارنة تعكس مدى ما وصلت إليه خان يونس من دمار شامل وخراب عمراني.
الدكتور بوتوكار، الذي كان قد خدم في غزة بعد اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، أشار إلى أن الوضع الراهن أكثر تفاقمًا بشكل حاد مما شهده في بداية النزاع، مؤكدًا أن المأساة الإنسانية دخلت مرحلة جديدة من الانهيار، في ظل عجز العالم عن اتخاذ إجراءات حقيقية لإنهاء الحرب أو التخفيف من آثارها الكارثية.
تدهور علاقات إسرائيل مع المجتمع الدولي
في السياق السياسي والدبلوماسي، أدت الحرب المستمرة، التي دخلت شهرها العشرين، إلى تدهور علاقات إسرائيل مع المجتمع الدولي، حتى مع أقرب حلفائها كالولايات المتحدة، وذلك نتيجة حجم الضحايا المدنيين والانهيار الإنساني المتصاعد. وتحت ضغط دولي متزايد، وافقت إسرائيل هذا الأسبوع على السماح بدخول كمية ضئيلة من المساعدات الإنسانية، تشمل الطعام والدواء والوقود، وذلك كخطوة رمزية غير كافية، تهدف إلى تخفيف الضغوط لا إلى إنهاء الأزمة.
ورغم دخول بعض الشحنات عبر معبر كرم أبو سالم، أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن المساعدات لم تُوزع حتى الآن، مشيرًا إلى أن فرق المنظمة انتظرت لساعات طويلة للحصول على تصاريح إسرائيلية تسمح لها بدخول الإمدادات إلى المستودعات، دون جدوى.
في ظل هذا المشهد، تتحول غزة تدريجيًا إلى منطقة خارجة عن الحياة، حيث يُترَك المدنيون للموت البطيء بين القصف والجوع، فيما يظل المجتمع الدولي عاجزًا أمام واقع كارثي يزداد وحشية مع مرور الأيام، وسط أصوات إنسانية من الداخل، كصوت الطبيب بوتوكار، تحاول أن تطرق أبواب الضمير العالمي المغلق.