زحف روسي شمال أوكرانيا.. 50 ألف جندي عند أبواب سومي ومفاوضات السلام في مأزق

تتسارع التطورات العسكرية على الجبهة الشمالية في أوكرانيا، مع تحول منطقة سومي إلى محور جديد للتصعيد العسكري الروسي، بعد نشر ما يقرب من 50 ألف جندي روسي على مشارفها. هذا التصعيد لا يُفهم فقط في سياق توسع جبهة القتال، بل يكشف عن تحول استراتيجي في تكتيكات موسكو، يقابله اضطراب واضح في الجاهزية الدفاعية الأوكرانية، وسط استمرار الجمود الدبلوماسي على مسار مفاوضات وقف إطلاق النار.
اتساع الجبهة وتكتيكات التسلل
وفق تصريحات الجنرال أوليكساندر سيرسكي، القائد الأعلى للجيش الأوكراني، فقد اتسعت جبهة القتال إلى أكثر من 1200 كيلومتر، ما يعقد جهود الدفاع الأوكرانية ويجبر القيادة العسكرية على توزيع قواتها على نطاق واسع، يفتقر إلى العمق الدفاعي.
الأسلوب الروسي، كما يصفه سيرسكي، يعتمد على استطلاع متعدد النقاط عبر الجبهة، يعقبه تركيز هجومي عند اكتشاف ثغرات، كما حدث في سومي خلال مايو ويونيو الماضيين. هذه المنهجية تفرض ضغطًا دائمًا على القوات الأوكرانية وتجعل من أي ضعف في التحصينات نقطة اختراق محتملة.
مقاومة مستميتة.. لكن بثمن بشري مرتفع
رغم إرسال وحدات النخبة مثل وحدة "تيمور" التابعة للجيش الأوكراني ووحدات HUR الاستخباراتية، إلا أن شهادات ميدانية كشفت عن اختلال توازن القوة البشرية والمادية. الجنود الأوكرانيون يقاتلون في ظروف غير متكافئة، حيث يتفوق الروس عدديًا ولوجستيًا.
واحدة من أبرز المعارك التي جرت مؤخرًا شمال سومي، استمرت سبع ساعات بين وحدة كوماندوز أوكرانية صغيرة وفريق هجومي روسي، مدعوم بالمشاة والطائرات المسيّرة والمدفعية الثقيلة. اضطر الجنود الأوكرانيون للانسحاب بعد تعرضهم لإصابات بالرصاص وارتجاجات دماغية نتيجة كثافة القصف، لكنهم نجوا جميعًا. ومع ذلك، فإن نزيف الأفراد والخسائر اليومية، التي تصل حسب التقديرات إلى 400 جندي روسي يوميًا، لم تردع موسكو عن الدفع بمزيد من الاحتياطيات.
تحصينات ضعيفة.. واستعدادات غير كافية
الانتقادات داخل المعسكر الأوكراني تتزايد بشأن سوء التجهيز الدفاعي. الجنود العائدون من منطقة كورسك الروسية – التي انسحبت منها أوكرانيا مؤخرًا – أبدوا استياءهم من ضعف التحصينات على الجانب الأوكراني، حيث لم يجدوا سوى خنادق قديمة بلا دعم جوي أو تغطية درونز، وهو ما يتنافى مع طبيعة المعركة الحديثة التي تهيمن عليها الطائرات المسيّرة.
كما أشار جنود إلى أن الأراضي التي يتقدم فيها الروس ليست ملغومة بشكل كافٍ، مما سهّل تقدم القوات المعادية. هذا النقص يعكس تخطيطاً عسكرياً لا يواكب تطورات الحرب الحديثة، كما عبر عنه الجندي كيريلو بقوله: "يبدو أننا استعددنا لدبابات، لا لمعركة تخوضها عشرات الطائرات المسيّرة يومياً."
رغم ذلك، حاول وزير الدفاع رستم عمروف الدفاع عن الموقف الرسمي، مؤكداً أن التحصينات "نظام هندسي متكيّف" وليس فقط خرسانة وخنادق، لكنه لم ينفِ ضمناً وجود قصور.
مأزق دبلوماسي
في الخلفية، تسير المفاوضات بين موسكو وكييف ببطء وتردد واضحين. الاجتماعات التي استضافتها تركيا مؤخرًا لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة، وسط تكرار التصريحات الروسية بشأن "غياب أسباب الحرب" كشرط للحل.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبدى انزعاجه من غياب الإرادة الروسية الجادة في التفاوض، بينما يستمر الكرملين في شن ضربات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على البنية التحتية والمدن الأوكرانية. إعلان موسكو الأخير عن عدم وجود لقاءات مرتقبة مع الجانب الأوكراني يعمّق الجمود، رغم الإشارة إلى إمكانية عقد جولة ثالثة قريبًا.