اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

فوردو تحت النار.. التحول الدراماتيكي في المواجهة النووية بين واشنطن وطهران

فوردو
فوردو

في خطوة تمثل تحولاً كبيرًا في مسار الصراع الأميركي الإيراني، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الأحد، تنفيذ ضربات جوية استهدفت ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران: فوردو، نطنز، وأصفهان، منهياً بذلك أسبوعاً كاملاً من المشاورات والتكهنات حول مدى انخراط واشنطن في الحرب الإسرائيلية الإيرانية المشتعلة.
هذه الضربات – التي تم تنفيذها باستخدام صواريخ "توماهوك" وقنابل خارقة للتحصينات ألقتها قاذفات استراتيجية من طراز B-2 – تعكس تصعيدًا غير مسبوق، ليس فقط في حدّته العسكرية، بل في رمزيته السياسية والنووية. فقد استهدفت مواقع تُعدّ أعمدة استراتيجية في البرنامج النووي الإيراني، وأبرزها منشأة فوردو الواقعة تحت جبل قرب مدينة قم، والتي لطالما اعتبرتها طهران أحد أقوى أوراقها الردعية.

فوردو: الجبل الذي أرّق الغرب

لم تكن "فوردو" مجرد منشأة نووية، بل كانت "الحصن العميق" في العمق الجغرافي والسياسي لإيران. أنشئت بشكل سري مطلع الألفية، وظلت بعيدة عن الأعين حتى عام 2009، عندما كشفت عنها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، متهمة إيران بإخفاء معلوماتها عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وما جعل "فوردو" محور الاستهداف الأميركي الحالي هو موقعها المحصّن في عمق جبل من جبال ألبرز، حيث تمتد القاعات الداخلية للمنشأة على عمق يصل إلى 100 متر تحت الأرض. هذه التحصينات الطبيعية والهندسية كانت سببًا في اعتقاد طهران بأن المنشأة في مأمن من الهجمات الجوية، خصوصاً من القنابل التقليدية.

لكن إعلان ترمب عن "محو المنشآت الإيرانية لتخصيب اليورانيوم بالكامل"، يشير إلى استخدام غير مسبوق للقوة، عبر قنابل خارقة من طراز GBU-57 – وهي قادرة نظرياً على اختراق طبقات سميكة من الصخور والخرسانة – ما يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت "فوردو" قد صمدت بالفعل، أو أنه تم تحييدها جزئيًا فقط.

طهران: صمت تكتيكي أم تَكتُّم اضطراري؟


رغم عنف الضربات، فإن الرواية الإيرانية الرسمية التزمت التهدئة الظاهرية. فقد أعلنت طهران أنه "لم يتم رصد أي تلوث إشعاعي" في المواقع المستهدفة، وهو ما قد يُفهم كمحاولة لطمأنة الداخل الإيراني، أو تأخير في إظهار الحجم الحقيقي للخسائر، سواء التقنية أو الاستراتيجية.
نقل الإعلام الإيراني أن المواقع الثلاثة قد أُخليت قبل الهجوم، وهو ما يعكس على الأرجح حصول طهران على معلومات استخباراتية أو قراءتها لتحركات عسكرية جوية سبقت الضربات. إلا أن الاعتراف الجزئي من قبل وكالة "تسنيم" بأن "فوردو تعرضت لضربات جوية معادية"، قد يكون تمهيدًا لرواية تدريجية تكشف آثار الضربة تباعًا، خاصة وأن التأثير الكامل لا يُمكن تقييمه فورياً بسبب عمق التحصينات.

البعد السياسي للضربة


ترمب وصف الضربة بأنها "نجاح عسكري مذهل"، محذرًا إيران من "المزيد إذا لم توافق على السلام"، وهي رسالة مزدوجة؛ فهي في جوهرها ردع تقني وعسكري، لكنها تُوظف أيضًا في سياق الضغط التفاوضي. ويبدو أن واشنطن تسعى عبر هذه الضربة إلى إعادة ترتيب شروط أي تفاوض نووي مقبل، خصوصًا في ظل التوتر المتزايد بالمنطقة والتحالفات المتشابكة مع إسرائيل.

نطنز وأصفهان: رسائل متزامنة
إضافة إلى "فوردو"، استُهدفت منشآت نطنز وأصفهان بعدد كبير من الصواريخ، ما يعكس رغبة أميركية في شلّ البنية التحتية لتخصيب اليورانيوم بشكل واسع. ورغم أن نطنز لطالما كانت تحت مجهر التفتيش الدولي، فإن تصاعد التخصيب فيها إلى مستويات قريبة من العتبة العسكرية (60%) بعد عام 2022، كان سبباً في اعتبارها تهديداً واقعياً.
أما أصفهان، فهي مركز مهم لإنتاج الكعكة الصفراء (المادة الخام لتخصيب اليورانيوم) وتطوير الوقود النووي، ما يجعل استهدافها ضربة في العمق التكنولوجي والبنية اللوجستية للبرنامج الإيراني.

ما بعد الضربة: مسارات محتملة
رد عسكري إيراني؟


حتى الآن، لم تعلن إيران عن ردّ مباشر، لكن خبراء يرجّحون أن تلجأ إلى استهداف قواعد أميركية في المنطقة أو مصالح إسرائيلية عبر أذرعها العسكرية في العراق، سوريا، أو لبنان، في إطار ما تسميه "الرد غير المتناظر".

تدويل الأزمة؟
من المتوقع أن يُعقد مجلس الأمن الدولي جلسات طارئة في ضوء القصف الأميركي لمواقع نووية، وهو ما قد يُعيد النقاش إلى مشروعية استخدام القوة خارج أطر الأمم المتحدة.

المفاوضات النووية: النهاية أم البداية؟
بينما قد ترى واشنطن أن هذه الضربة تعيد رسم خطوط تفاوض جديدة، فإن إيران قد تعتبرها محاولة لإسقاط الاتفاق النووي نهائيًا، والدفع نحو تطوير قنبلة نووية كخيار ردعي.