محادثات لندن التجارية.. اتفاق أميركي-صيني مبدئي وسط توتر اقتصادي عالمي

شهدت العاصمة البريطانية لندن جولة جديدة من المحادثات الحساسة بين الولايات المتحدة والصين، تكللت بالتوصل إلى "إطار عمل مبدئي" حول التجارة، بعد يومين من التفاوض المكثف بين وفدي البلدين. الإعلان جاء على لسان نائب وزير التجارة الصيني، لي تشنج قانج، الذي أكد أن ما تم التوصل إليه سيُعرض على قيادتي البلدين، في خطوة تعكس أهمية الدور السياسي الأعلى في حسم مآلات الاتفاق.
تجارة تحت التهديد
تمثل هذه المحادثات امتداداً لمسار طويل من الشد والجذب بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم. فمنذ سنوات، دخلت العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين منعطفاً متوتراً، لا سيما بعد فرض إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب رسوماً جمركية واسعة على السلع الصينية، وردت بكين بإجراءات مماثلة، مما هدد سلاسل التوريد العالمية وأربك الأسواق.
وتأتي هذه الجولة من المفاوضات استناداً إلى توافق أولي تم التوصل إليه خلال مكالمة هاتفية نادرة جمعت الرئيسين ترمب وشي جين بينغ في 5 يونيو، وأعقبتها لقاءات في جنيف. ويبدو أن الطرفين يسعيان هذه المرة لتفادي انهيار الاتفاق الهش الذي تمخض عن تلك التفاهمات، خصوصاً في ظل التصعيد الأخير بشأن ضوابط تصدير المعادن النادرة والتكنولوجيا المتقدمة.
تفاصيل الإطار المبدئي: ما الجديد؟
الإطار الذي تم التوصل إليه يشمل – وفق تصريحات وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك – خطة تنفيذ يفترض أن تسهم في تخفيف القيود المفروضة على المعادن النادرة والمغناطيسيات، وهي من المواد الأساسية في الصناعات التكنولوجية والعسكرية. كما لمح لوتنيك إلى احتمالية رفع واشنطن لضوابط تصدير بعض أشباه الموصلات، مقابل تسريع الصين لوتيرة تسليم المعادن.
الاجتماعات امتدت لأكثر من خمس ساعات، فيما أشارت تصريحات المسؤولين إلى أن المناقشات لم تكن سهلة، لكن "الأجواء إيجابية"، بحسب تعبير مسؤول في البيت الأبيض رفض الخوض في تفاصيل.
الاعتبارات السياسية والاقتصادية المحيطة
تعكس هذه المحادثات طابعاً مزدوجاً: فهي من جهة محاولة لاحتواء أزمة اقتصادية متفاقمة، ومن جهة أخرى ورقة سياسية في يد الإدارة الأميركية التي تسعى لتعزيز موقفها في الانتخابات المقبلة. يُذكر أن سياسات ترمب التجارية السابقة تسببت في اضطرابات واضحة، وأثرت سلباً على الشركات الأميركية التي واجهت ارتفاعاً في التكاليف وتراجعاً في المبيعات.
في المقابل، تعاني الصين من تراجع ملحوظ في صادراتها إلى الولايات المتحدة، حيث كشفت بيانات الجمارك عن انخفاض بنسبة 34.5% في مايو الماضي، وهو أكبر هبوط منذ أزمة جائحة كوفيد-19، ما يضغط على بكين لإيجاد مخرج تفاوضي يحفظ مصالحها الاقتصادية.
أثر الأزمة على الاقتصاد العالمي
لا يقتصر تأثير هذه المفاوضات على واشنطن وبكين فقط، بل يمتد إلى الاقتصاد العالمي برمّته. فقد أعلن البنك الدولي عن خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 2.3%، عازياً السبب إلى ارتفاع الرسوم الجمركية وتزايد حالة عدم اليقين، ما يجعل من أي اتفاق بين القوتين أمراً محورياً في استقرار الاقتصاد العالمي.
تقييم أولي للاتفاق: خطوة نحو التهدئة أم هدنة مؤقتة؟
رغم الإيجابية التي أحاطت بتصريحات المسؤولين، لا يزال من المبكر الحكم على ما إذا كان هذا الإطار سيمهد لاتفاق دائم أو أنه مجرد هدنة مؤقتة بانتظار جولات جديدة من التصعيد. ويبقى قرار القيادتين السياسيّتين، ترمب وشي، هو الفيصل في تحويل هذه التفاهمات إلى واقع ملموس، وسط بيئة دولية معقدة وتنافس تكنولوجي محتدم.