رؤية مثيرة للجدل.. داعية سوداني: النبي أوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض

في خضم الأزمة السودانية المعقدة، أثار الداعية المعروف محمد هاشم الحكيم جدلاً واسعاً بعد ظهوره في مقطع مصوّر قال فيه إنه رأى النبي محمد في المنام، وطلب منه – حسب روايته – أن يبلغ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بوقف القتال والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ورغم أن الدعوات لوقف الحرب ليست جديدة في سياق الصراع السوداني، فإن الطابع الديني الذي طغى على رسالة الحكيم أعاد فتح النقاش حول دور الخطاب الديني في الشأن السياسي والعسكري، خاصة في بلد عانى طويلاً من التداخل الحاد بين الدين والسلطة. وفي حين استقبل البعض هذه الرسالة بـ"الخشوع والتفاؤل"، معتبرينها نداءً نابعاً من الضمير والروح، عبّر آخرون عن قلقهم من استغلال الرموز الدينية في لحظة سياسية حرجة قد تزيد من تعقيد المشهد لا تبسيطه.
السودان بين نبوءة الحرب وواقعية الدمار
السودان، ومنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، يعيش واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخه الحديث. المواجهات بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حوّلت مدن السودان الكبرى إلى ساحات قتال مفتوحة، أزهقت أرواح عشرات الآلاف، وشردت الملايين داخل البلاد وخارجها، في ظل تدهور شامل للبنية التحتية الصحية والخدمية، وانهيار مؤسسات الدولة.
ولا يلوح في الأفق أي حل عسكري حاسم، فيما تعثرت محاولات الوساطة الإقليمية والدولية بسبب انعدام الثقة بين طرفي الصراع، وتضارب الأجندات الخارجية.
خطاب الحكيم.. دين أم سياسة؟
رسالة الحكيم – بصيغتها الروحية – يمكن النظر إليها كجزء من موجة الضغوط المدنية والدينية والأهلية التي تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة، للمطالبة بوقف النزيف السوداني والدفع نحو عملية تفاوض شاملة تعيد إنتاج الدولة السودانية على أسس جديدة. لكن المشكلة تكمن في سياق الرسالة وأدواتها، فالإشارة لرؤيا دينية في ملف بالغ التعقيد مثل الحرب قد تُفهم – في نظر منتقدين – على أنها محاولة رمزية لتجاوز تعقيدات الواقع السياسي من خلال خطاب غيبي.
كما أن هذه الرؤى قد تعطي مجالاً لتأويلات مضادة، إذا ما تبناها طرف دون آخر، أو إذا رآها خصومه محاولة لـ"توجيه إلهي انتقائي"، ما يفتح الباب أمام تديين الصراع نفسه بدل إنهائه.
ما بين الدعاء والدواء.. ماذا بعد؟
في ظل انسداد الأفق السياسي، وفشل المسارات العسكرية في تحقيق حسم، تبرز أهمية الأصوات المدنية والدينية المعتدلة، لا كبدائل عن الحلول الواقعية، بل كرافعة أخلاقية وضاغطة على الأطراف المتنازعة للجلوس إلى طاولة حوار حقيقي، يراعي تطلعات السودانيين في السلام، العدالة، والمواطنة المتساوية.
رسالة الحكيم، سواء قُرئت كدعوة صادقة أو كموقف رمزي، تعكس حالة الضيق والإنهاك الشعبي من الحرب. لكنها تطرح في الوقت نفسه سؤالاً جوهرياً: هل يمكن للخطاب الديني أن يكون عامل تهدئة في بلد يعاني من إرث طويل من استغلال الدين في الصراع السياسي؟ أم أن الحل لا يزال مرهونًا بإرادة سياسية صلبة تدعمها قوى المجتمع الحيّة؟.