الرئيس الفرنسي يحذّر إسرائيل بعقوبات مشددة بسبب حصار غزة

في تصعيد لافت في نبرة الخطاب الأوروبي تجاه إسرائيل، وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحذيراً صريحاً مفاده أن بلاده قد تتجه إلى تشديد موقفها من تل أبيب إذا استمرت الأخيرة في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، الذي يعاني من كارثة إنسانية متفاقمة منذ أشهر.
جاءت تصريحات ماكرون خلال مؤتمر صحفي عقده في سنغافورة إلى جانب رئيس وزرائها لورانس وونج، حيث شدد على أن "الحصار الإنساني يخلق وضعاً لا يمكن الدفاع عنه على الأرض"، محذراً من أن غياب استجابة إسرائيلية عاجلة قد يدفع فرنسا إلى دراسة خطوات أكثر صرامة، منها إمكانية فرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين.
من التحذير إلى التلويح بالعقوبات
تصريحات ماكرون تحمل نبرة مغايرة عن المواقف الغربية المعتادة التي غالباً ما تكتفي بالتعبير عن "القلق"، ما يعكس شعوراً متزايداً داخل دوائر القرار الأوروبي بأن الوضع في غزة تجاوز حدود التحمل الإنساني والسياسي.
وأضاف الرئيس الفرنسي: "لا يزال لدي أمل في أن تغير الحكومة الإسرائيلية موقفها"، لكنه لم يُخفِ أن بلاده تدرس خيارات تتجاوز الدعوات الأخلاقية إلى أدوات ضغط سياسية واقتصادية أكثر فاعلية.
حل الدولتين يعود إلى الواجهة
وفي تأكيد واضح لموقف فرنسا الثابت – وإن كان متردد التطبيق – شدد ماكرون على أن بلاده لا تزال تعتبر حل الدولتين السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذهب أبعد من ذلك حين قال: "وجود دولة فلسطينية ليس مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة سياسية أيضاً"، في نبرة تربط بين الاستقرار الإقليمي وحقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
تباين غربي وإحراج أمريكي محتمل
يأتي موقف ماكرون في وقت تشهد فيه العواصم الغربية انقساماً واضحاً في التعامل مع إسرائيل. ففي حين تتصاعد الضغوط من دول أوروبية كإسبانيا وأيرلندا وبلجيكا، لا تزال الولايات المتحدة تحاول الموازنة بين دعمها التاريخي لتل أبيب وتزايد الأصوات المطالبة بكبح جماح الجيش الإسرائيلي في غزة.
ويقول دبلوماسيون إن فرنسا تدرس بجدية الانضمام إلى صف الدول الأوروبية التي قد تعترف قريباً بدولة فلسطينية، وهو ما من شأنه إحداث شرخ دبلوماسي جديد بين باريس وتل أبيب، وربما حتى مع واشنطن.
حسابات داخلية وخارجية
التحول الظاهر في لهجة باريس قد يكون مدفوعاً أيضاً باعتبارات داخلية فرنسية، حيث تواجه الحكومة ضغوطاً من منظمات إنسانية ونشطاء سياسيين ينتقدون ما يرونه صمتاً أوروبياً مطبقاً إزاء مذبحة مستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر، أودت بحياة أكثر من 54 ألف فلسطيني بحسب وزارة الصحة في غزة.
كما يرتبط التوجه الفرنسي بمساعٍ دولية حثيثة للإعداد لمؤتمر ترعاه فرنسا والسعودية منتصف يونيو، لبحث خارطة طريق تؤسس لقيام دولة فلسطينية، مع ضمان أمن إسرائيل، وهو توازن بالغ الحساسية في المشهد الجيوسياسي المعقد.
هل نحن أمام تحوّل في الموقف الأوروبي؟
منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، التزمت معظم الدول الغربية الحذر في انتقاد إسرائيل. إلا أن حديث ماكرون عن احتمال العقوبات يفتح الباب أمام تحول نوعي في الموقف الأوروبي، قد يضغط فعلياً على حكومة بنيامين نتنياهو، التي تعاني داخلياً من انقسامات واحتجاجات شعبية، وتواجه خارجياً عزلة متنامية.