التحول الحاسم.. كيف تصقل الصين قدراتها لشن هجوم مفاجئ على تايوان؟

تشير المعطيات التي نقلتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن مسؤولين أميركيين وتايوانيين إلى تسارع لافت في وتيرة التحضيرات العسكرية الصينية تجاه تايوان، ما يشي بأن بكين باتت أقرب من أي وقت مضى إلى الجاهزية لتنفيذ هجوم مفاجئ. هذا التصعيد العسكري المتعدد الأوجه، يتجاوز مجرد الاستعراض، ليشكّل تحولًا استراتيجيًا مدروسًا نحو قابلية الانتقال الفوري من السلم إلى الحرب.
فقد أظهرت القوات الجوية الصينية ومكونات سلاح الصواريخ جاهزية عملياتية عالية تسمح بالتحول إلى وضع هجومي خلال لحظات، وهو تطور نوعي يعكس تقدمًا كبيرًا في كفاءة الاستجابة والتكامل بين الوحدات المختلفة. وفي هذا السياق، أصبحت التدريبات البرمائية الجوية متكررة وقريبة من الموانئ التي يُفترض أن تنطلق منها عمليات الغزو، بما في ذلك استخدام الطائرات والمروحيات المقاتلة ضمن نماذج إنزال معقدة.
اختراقات الطائرات الصينية
ويكشف التكرار الكثيف لاختراقات الطائرات الصينية لمنطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، والتي ارتفعت من أقل من عشر مرات شهريًا قبل خمس سنوات إلى أكثر من 245 مرة حاليًا، عن سياسة تهشيم تدريجية لخط الدفاع الجوي التايواني وللخط الأوسط في مضيق تايوان، مما يحوّله من خط ردع إلى مساحة عبور دائم.
أما من الناحية البحرية، فباتت الصين تحتفظ بحضور دائم لنحو 12 سفينة حول الجزيرة، ما يمنحها القدرة على فرض حصار بحري شبه فوري. وتُظهر التطورات في تكتيكات الانتشار البحري ومواقع التمركز، خصوصًا في مضيق مياكو وقناة باشي، استعدادًا واضحًا لخوض معركة تتجاوز المياه الإقليمية نحو عمق المحيط الهادئ، بهدف كسر أي طوق محتمل على سواحلها.
تعزيز قدرات الجيش الصيني
التطور الأكثر دلالة تمثل في تعزيز قدرات الجيش الصيني على تنفيذ عمليات مشتركة بين الأفرع الجوية والبرية والبحرية، وهو ما بدا جليًا منذ مناورات عام 2022 التي تلت زيارة نانسي بيلوسي لتايوان. فبينما كانت هذه العمليات تُجرى سابقًا بشكل منفصل، تُنفذ اليوم بتزامن وتكامل يدل على إحكام السيطرة المركزية وثقة أكبر في قدرات القيادة الميدانية.
ويبدو أن إصلاحات شي جين بينج، التي بدأت عام 2015 بهدف إعادة هيكلة الجيش، بدأت تؤتي ثمارها عبر تشكيل وحدات أصغر وأكثر مرونة، لا سيما في القوات البرية التي ستشكل القوة البشرية الرئيسية في أي اجتياح محتمل. كما أن انتشار ست فرق برمائية مشتركة على طول السواحل المواجهة لتايوان يعكس تركيزًا ممنهجًا على سيناريو الغزو.
ومن أبرز ما تم رصده هو إدخال أنظمة مدفعية جديدة مثل قاذفة PCH-191 بعيدة المدى، والتي تمنح الجيش قدرة نارية دقيقة ومنخفضة التكلفة لاستهداف البنية التحتية والدفاعات التايوانية مسبقًا، وهو ما يمثل تكتيكًا لشل الجزيرة قبل تنفيذ الإنزال الفعلي.
كل هذه المؤشرات تؤكد أن الصين لا تكتفي بإرسال رسائل ردعية لتايوان والغرب، بل هي في طور بناء قدرة حقيقية ومتماسكة لتنفيذ هجوم مفاجئ عالي الكثافة، قادر على فرض معادلة جديدة خلال ساعات. إنها ليست مجرد تهديدات، بل إعادة هندسة كاملة لمسرح العمليات تحاكي سيناريو الغزو الشامل في أدق تفاصيله، بما يضع تايوان والمنطقة أمام مرحلة فارقة في حسابات الردع والصدام.