عبوات الأرز والدولارات تشعل جبهة البالونات.. تصعيد صامت بين الكوريتين وسط محاولات للتهدئة

ألقت الشرطة الكورية الجنوبية القبض على ستة مواطنين أمريكيين الجمعة، بعد محاولتهم إرسال قرابة 1300 عبوة بلاستيكية مملوءة بالأرز والدولارات وكتب دينية إلى كوريا الشمالية عبر البحر، في خطوة تنطوي على أبعاد دينية وسياسية في آنٍ واحد، وتعكس توترات دعائية كامنة على الحدود بين الكوريتين.
الحادثة وقعت عند جزيرة "كانجهوا" الحدودية قرب العاصمة سول، حيث تدخلت دورية عسكرية وأحبطت المحاولة. الشرطة أكدت أن الموقوفين يخضعون للتحقيق بتهمة خرق قانون الكوارث والسلامة العامة، في منطقة صنّفت مؤخرًا "منطقة خطر"، في ظل القلق من أي أعمال قد تستفز الجارة الشمالية.
خلفية التوتر: حرب البالونات تتجدد
الحدث ليس معزولًا، بل يأتي في سياق تصاعد مستمر لما يُعرف بـ"حرب البالونات" بين الجارتين. لطالما استخدم نشطاء في كوريا الجنوبية البالونات الهوائية كوسيلة لإرسال منشورات مناهضة للنظام الكوري الشمالي، إضافة إلى مواد غذائية وأموال وحتى محتوى ديني، وهو ما تعتبره بيونج يانج استفزازًا مباشرًا.
كوريا الشمالية ردت بالمثل، من خلال إطلاق بالونات محملة بالنفايات، وصلت بعضها إلى مواقع حساسة مثل المجمع الرئاسي في سول، في مشهد يحمل طابعًا ساخرًا لكنه يعكس قلقًا أمنيًا حقيقيًا.
الصراع بين حرية التعبير والأمن القومي
في عام 2023، ألغت المحكمة الدستورية في كوريا الجنوبية قانونًا كان يجرّم إرسال هذه المواد إلى الشمال، معتبرة أنه يقيد حرية التعبير. لكن حكومة الرئيس الجديد لي جاي ميونج اختارت مسارًا مختلفًا، حيث لجأت إلى قوانين أخرى تتعلق بالسلامة، لتقييد هذه الأنشطة بطريقة غير مباشرة، في محاولة لتفادي التصعيد مع كوريا الشمالية دون الاصطدام بجدار القضاء.
حكومة لي جاي ميونج: دبلوماسية على خيط رفيع
منذ توليه الحكم، يسعى الرئيس لي إلى تخفيف التوترات العسكرية مع كوريا الشمالية، وإحياء المحادثات المتوقفة منذ سنوات. أوقف حملات البث الدعائي من مكبرات الصوت الموجهة نحو الشمال، في بادرة حسن نية، لكنه لا يزال يواجه تحديات على الأرض من قبل مجموعات مدنية لا تلتزم بسياسات الدولة، كحال الأميركيين الستة المعتقلين.
آفاق الأزمة: بين المبادرة والانغلاق
ورغم محاولات سول التهدئة، فإن الرد من بيونج يانج لا يزال غير متوقع. فقد أعلنت العام الماضي بشكل قاطع تخليها عن هدف التوحيد السلمي وقطعت معظم خطوط التواصل مع الجنوب.
من هنا، تُعد حادثة "عبوات الأرز" أكثر من مجرد خرق قانوني؛ إنها جزء من مشهد معقد تتداخل فيه الاعتبارات الأمنية، والحريات المدنية، والمواقف العقائدية، وسط غياب الثقة وتوقف الدبلوماسية منذ انهيار محادثات نزع السلاح النووي عام 2019.